«فيس بوك» تواجه تحديات النمو باللجوء إلى الصين وطائرات «درونز»
تنظر الأغلبية الساحقة من مستخدمي الإنترنت وسكان العالم إلى «شركة فيس بوك الأميركية»، وشبكتها للتواصل الاجتماعي، باعتبارهما قصة نجاح مذهلة، لا يوجد عملياً ما يهدد مسيرتها. لكن الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة لـ«فيس بوك» نفسها، إذ بدأ بعض المراقبين يرصدون تحركات مبكرة داخل «فيس بوك»، تشير إلى أن كبار قادتها يرون تحديات عدة، تنذر بأن موكب النجاح السهل المتصاعد شارف على الوصول إلى محطته الأخيرة، وأن ثمة تحديات كبرى أمام الشركة، ستكبدها الكثير من الجهد والمال والوقت، كي تستمر في مسيرتها التي لن تكون سهلة، كما كانت الحال في الماضي، أو كما هو قائم حالياً، وهو أمر بدأوا يتحسسونه جيداً، ويستعدون لمواجهته بالتوجه نحو الفقراء، والصين، وطائرات «درونز».
عدد المستخدمين
الوضع المالي ظلت «فيس بوك»، خلال العقد الماضي، تحقق معدل نمو يتسم بالارتفاع، حتى وصلت إلى ملياري مستخدم، في وقت لم تتراجع فيه أسهمها حتى وصلت قيمة السهم حالياً إلى 151.83 دولاراً، وحدث الشيء نفسه للعائدات، إذ إنه طبقاً لما أعلنته شركة «فيس بوك» عن نتائج أعمالها، خلال الربع الأول من عام 2017، فإن سهم «فيس بوك» حقق عائداً قدره 1.12 دولار على السهم الواحد، وبلغت الأرباح الإجمالية للشركة 7.83 مليارات دولار. |
أثيرت قضية مستقبل «فيس بوك»، بعد الإعلان عن أن عدد مستخدمي الموقع الإلكتروني وصل إلى ملياري شخص العام الجاري، وهو الرقم الذي قال محللون في مؤسسة «بيزنس إنسايدر»، في تقرير نشره موقع المؤسسة businessinsider.com، في 29 يونيو الماضي، إنه يمثل علامة فارقة في مسيرة «فيس بوك» كشركة وشبكة تواصل اجتماعي معاً، لأن جذب المليار الثالث من المستخدمين لن يكون سهلاً كسابقيه، فضلاً عن كونه يجعل «فيس بوك» يقترب من الحد الأقصى لعدد المتصلين بالإنترنت حول العالم أجمع، ومن ثم يصطدم بحاجز للنمو لا يمكن تفاديه بسهولة.
تحديات النمو
ومن هنا، فإنه يمكن القول إن مكمن النجاح هو نفسه حاضنة التحديات، فـ«فيس بوك» يستخدم حالياً من قبل ثلثي سكان العالم الذين لديهم وصول للإنترنت، ما يعني أن أيام النمو السهل تقترب من نهايتها، إذ عليه ضم نحو 1.5 مليار شخص، هم الذين يتصلون بالإنترنت فعلاً، لكنهم لا يستخدمون «فيس بوك» حالياً، ثم التوجه لمن ليست لديهم وصلة إنترنت أصلاً، وهي مهمة صعبة للوصول إلى رقم أربعة مليارات مستخدم، وبعدها سيكون التراجع في نمو أعداد المستخدمين حتمياً.
والمعضلة هنا أن شريحة معتبرة من هؤلاء المستخدمين توجد في الصين، التي يتم فيها حظر «فيس بوك» منذ عام 2009 وحتى الآن.
مبادرات وكلفة
تعلم «فيس بوك» أنها ستصل في نهاية المطاف إلى الحد الأقصى من الناس، الذين لديهم اتصال بالإنترنت حول العالم، لهذا السبب فإنها تبني طائرات بدون طيار (درونز)، وهي طائرات تبث الإنترنت إلى الأرض في مجتمعات جنوب الصحراء بإفريقيا، كما أنها تقيم محطات «واي فاي» في الهند، وتدفع لشركات الاتصالات لتقديم «فيس بوك» في المناطق الريفية والمنعزلة، وكل ذلك في مبادرات باهظة الكلفة تسعى إلى توسيع رقعة مستخدمي الإنترنت، ومن ثم الحفاظ على معدل النمو في عدد مستخدمي الشبكة مرتفعاً وقوياً. لكن هذه النوعية من الأشياء ليست رخيصة، فنفقات «فيس بوك» الرأسمالية ارتفعت إلى 4.5 مليارات دولار في عام 2016، مقارنة بـ1.83 مليار في السنوات السابقة.
الأزمة مع الصين
تنظر «فيس بوك» إلى الصين باعتبار وجود 700 مليون مستخدم أصبحوا خارج نطاق عملها بعد حجبها هناك، وهي شريحة مستخدمين ضخمة لا يستهان بها، ومرشحة للارتفاع لتلامس مليار مستخدم مستقبلاً، وهنا أصبح من المتعين على «فيس بوك» أن تظهر قدراً من المرونة والدبلوماسية الحادة، في ما يتعلق بالقيم الرئيسة التي ترفعها منذ نشأتها، وعلى رأسها المعلومات المفتوحة وحرية التعبير، وأن تقبل بالكثير من القيود على ذلك، حتى تتمكن من النفاذ إلى كعكة الـ700 مليون مستخدم صيني. وفي هذا السياق، جرى رصد أمرين: الأول أن «فيس بوك» تحاول جاهدة الدخول في تفاوض مباشر مع السلطات الصينية لإيجاد نوع من التسوية، والتي لن تخلو من مساومة كبيرة على القيم التي ترفعها بشأن حرية التعبير، وتجسد ذلك في مشاركة المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ«فيس بوك»، مارك زوكربيرغ، في «منتدى التنمية الصين» ولقائه مع ليو يون شان، مسؤول الدعاية في الصين، وعضو اللجنة الدائمة للحزب الشيوعي الصيني، الذي أشاد بطرق التكنولوجيا والإدارة الخاصة في «فيس بوك». وفي المقابل ألقى زوكربيرغ خطاباً أمام المنتدى، تودد فيه كثيراً إلى الصين ومسؤوليها وشعبها.
المساومة على القيم
أما الأمر الثاني، فقد حدثت تسريبات نشرتها، أخيراً، صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، جاء فيها أن «فيس بوك» تطور أدوات للمراقبة والرصد، توقف بعض الوظائف والخصائص تلقائياً في بعض المناطق الجغرافية، وتعطي أطرافاً ثالثة مثل موفري خدمات الانترنت، القدرة على مراقبة «فيس بوك»، وهذه واحدة من أدوات عدة تقوم «فيس بوك» بتجربتها للعودة إلى السوق الصينية. وقد أزعج هذا الأمر بعض موظفي «فيس بوك»، واعتبروه «خيانة» لقيم الشبكة، واستقال بعضهم فزعاً من ذلك، حسب ما جاء في تقرير الصحيفة.