توجه تقني لترقية المخ البشري لمنافسة الذكاء الاصطناعي
ركز باحثون ورواد أعمال شاركوا في مؤتمر «قمة الويب»، الذي اختتم أعماله في لشبونة أخيراً، على عرض ومناقشة توجه تقني جديد أطلقوا عليه «تفاعل المخ والحاسب»، يتم من خلاله بناء وتشغيل مجموعة من الأدوات التي تستهدف ترقية وتعزيز وتطوير قدرات المخ البشري، ليتفاعل ويترابط في عمله مع الذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى مستوى من الذكاء الخارق الذي يمكنه حل أعقد المشكلات، والتعامل مع أصعب الظروف. كما أنه من ناحية أخرى يجعل المخ البشري قادراً على أن يكون دائماً نداً ومنافساً قوياً وفي مأمن من سيادة الذكاء الاصطناعي الذي تتسارع وتيرته على نحو كبير.
آفاق جديدة أفاد موقع «سي نت نيوز» المتخصص في التقنية، بأن هناك علماء وأكاديميون يخصصون جل اهتمامهم لفكرة التفاعل بين المخ والحاسب، منهم الدكتور ميخائيل ليبيديف في جامعة ديوك، والدكتور مانويل كازانوفا من كلية الطب بجامعة كارولينا الجنوبية، اللذان حصلا على جائزة قدرها 100 ألف دولار، لبحوثهما المتميزة في هذا المجال. وأشار إلى أن كلاً من ليبيديف وكازانوفا يتوقع أن شركة مثل «كيرنيل» سينتهي بها المطاف للخروج من نطاق الاستخدامات الطبية لمفهوم التفاعل بين المخ والحاسب، وارتياد آفاق جديدة غير طبية. • الآلات والخدمات العاملة بالذكاء الاصطناعي تستحوذ على 48% من وظائف البشر حالياً. • باحثون: «تفاعل المخ والحاسب» يمكنه حل أعقد المشكلات والتعامل مع أصعب الظروف. |
اهتمام كبير
وأثار طرح هذا التوجه والمفهوم الجديد جدلاً واهتماماً كبيراً في الأوساط التقنية، حيث نشر موقع «سي نت نيوز» المتخصص في التقنية تحليلاً ناقش فيه فكرة «ترقية المخ البشري» التي جرى التركيز عليها في المؤتمر، والجهود الجارية على أرض الواقع في هذا الاتجاه.
وبرزت خلال المؤتمر أعمال شركة «كيرنيل» التي أسسها ويترأسها بريان جونسون، باستثمارات قدرها 100 مليون دولار. وقال جونسون إن شركته تستهدف تطوير أدوات لتطوير وترقية قدرات المخ البشري، عبر إيجاد مجموعة من الأدوات المخصصة للعمل مع المخ البشري، ليس في حالة المرض فقط، لكن في حالات الصحة، لتطوير قدراته على التفاعل والتعايش مع البيئة المحيطة من حولة. ورأى أن ما يسعى إليه لا يختلف كثيراً عما يحدث في الأدوات التي تم إنتاجها في مجال تعديل وتحرير وتحسين الجينات والصفات الوراثية التي يقوم بها علم الجينات.
خطة طوارئ
وأضاف جونسون أن ما يحاول القيام به هو نوع من وضع خطة طوارئ للبشر أمام الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن هذا أمر ضروري للمستقبل، وإذا ما لم تمضِ البشرية في هذا الاتجاه، فإن البديل هو أن البشر لن يكونوا قادرين على التكيف بطريقة كافية ومناسبة وفعالة مع الظروف المحيطة بهم، والبيئة التي يحيون فيها بالطريقة نفسها التي ستفعلها الحاسبات والآلات العاملة بالذكاء الاصطناعي. وأوضح أن «هذا معناه أننا نخاطر بوضع الإنسان (خارج السياق) وجعله على غير صلة كافية بما يحيط به»، مضيفاً أن «قلقي الأكبر هو أننا لا نملك القدرة على تحقيق التعاون بين الطرفين (المخ والحاسب)، وإذا حدث هذا التعاون على مستوى توليد وتجميع وتصنيف ومعالجة وتوظيف البيانات وصولاً الى المعلومات والمعرفة والحكمة لحظياً، ستكون هناك امكانية لأن يحدث تكامل بين قدرات المخ وقدرات الحاسب، يؤدي لحل المشكلات الأكثر تعقيداً في العالم».
واتفق أستاذ الذكاء الاصطناعي و«الروبوتات» في جامعة شيفيلد، الدكتور نويل شاركي، مع آراء جونسون، لكنه اعتبر أن الخشية من الذكاء الاصطناعي لا تشمل الجميع، بل هناك الكثيرون ممن يرون في الأمر فوائد جمة. وقال: «يجب أن نركز في الحصول على الأساسيات بصورة صحيحة»، مبيناً أن «أن الذكاء الخارق بالنسبة له أشبه بوقوف شخص على طريق سيارات سريع، ينظر أمامه بعيداً ولا ينتبه، فيصطدم بسيارة أمامه مباشرة، لكن هذا لا يمنع من محاولة إعطاء الإنسان فرصة على هذا المسار».
ردود أفعال
وبحسب ما ورد في تحليل «سي نت نيوز»، فإن التوجه نحو ترقية مخ الإنسان ليعمل بهذه الواجهة التفاعلية بين المخ والحاسب، هو واحد من ردود الأفعال الجديدة والمستقبلية على انتشار وتنامي الذكاء الاصطناعي بصورة كبيرة ومتسارعة خلال الفترة الأخيرة، مع احتمالات كبرى للانتشار والتوسع على المديين المتوسط والطويل، يجعل الآلات والخدمات العاملة بالذكاء الاصطناعي تغزو ما لا يقل عن 48% من الوظائف التي يقوم بها البشر حالياً.
وأشار التحليل إلى أن هذه النزعة، تظهر في أفكار العديد من المبدعين وأصحاب الرؤى المستقبلية مثل المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «تيسلا» لصناعة السيارات ذاتية القيادة إيلون ميوسك، الذين يطلقون التحذيرات والتحفظات والقلق من سوء استخدام الذكاء الاصطناعي، ويتحدثون عن الأفضل والأسوأ الذي سيحدث للبشرية من وراء الإسراف في نشر وترقية وتقوية الذكاء الاصطناعي بصورة متسارعة على هذا النحو، ويطرحون تساؤلات حول ما إذا كان من الممكن ترقية وتحسين الذكاء البشري ليواكب ويناظر الذكاء الاصطناعي ويمضي معه جنباً إلى جنب، بل ويتفوق عليه.
علم واقعي
وأفاد التحليل بأن مفهوم «تفاعل المخ والحاسب» يبدو خيالاً علمياً بالنسبة للبعض، لكنه من الناحية الواقعية أصبح علماً واقعياً لدى البعض، لافتاً إلى أن شخصاً مثل إيلون ميوسك، أسس شركة ناشئة تعمل في مجال تعزيز القدرات البشرية لتصبح شريكاً ونداً مكافئاً للذكاء الاصطناعي، وهي شركة «نيورو لينك» أو الرابطة العصبية، التي أطلقها في الربع الثاني من العام الجاري، وتعمل بمفهوم التفاعل بين المخ والحاسب.
وذكر التحليل أن شركة ميوسك وشركة جونسون ليستا وحدهما اللتان تمضيان في هذا الاتجاه، إذ إن هناك الآن وجوداً واقعياً راسخياً لما يعرف باسم التقنية العصبية، التي تقدم أشكالاً موسعة من أنظمة وأدوات تقنية وأجهزة استشعار، تستخدم الإشارات الكهربية مع المخ البشري، مشيراً إلى أنه من الأمثلة البارزة على ذلك عمليات زرع قوقعة الأذن التي يتم من خلالها استعادة القدرة على السمع لدى بعض المصابين بالصمم، وأدوات تستخدم مفهوم التفاعل بين المخ والحاسب لعلاج بعض حالات الصرع ومرض الشلل الرعاش «باركنسون»، ومرض الخلايا العصبية الحركية.
ولفت تحليل «سي نت نيوز» إلى أنه في معرض للتقنية في برلين قبل عامين، كانت هناك تجربة مثيرة، حيث جلس رجل في جناح إحدى الشركات، وقام بعمل وشم بسيط لمن يريد، من خلال إبرة صغيرة، تزرع شريحة إلكترونية دقيقة في اليد يمكن من خلالها التحكم في الهاتف المحمول عبر إشارات المخ.