قرار أدى إلى انخفاض أسهم الموقع بنحو 25 مليار دولار من القيمة السوقية له

«فيس بوك».. «ثورة تصحيح» تعيد الاعتبار لـ «المحتوى الاجتــــــماعي»

«فيس بوك» يريد أن يضمن استمرار التركيز أولاً على المستخدمين لا المعلنين. أرشيفية

من أجل الحفاظ على «الشعرة الفاصلة» بين المحتوى الاجتماعي الذي أنشئ من أجله، والمحتوى الإخباري والإعلامي الذي دخل عليه، قرر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» المخاطرة بنحو 25 مليار دولار، ويعلن خلال الأيام الماضية قراره بإحداث تعديل في الخوارزميات المحورية التي يعمل بها الموقع، لجعل المحتوى الاجتماعي والشخصي المتبادل بين المستخدمين من الأصدقاء والأقرباء هو صاحب الأهمية والمكانة الأولى والأعلى على الموقع، ليسبق بذلك المحتوى المبثوث من الشركات والمنصات الإخبارية والجهات الإعلامية في التناول والعرض.

والسؤال الذي بدأ بالتداول هو طبيعة خلفيات هذا القرار الصعب الذي أدى إلى انخفاض أسهم «فيس بوك» بمقدار 4.2% في 12 يناير الجاري، وهو ما يعادل 25 مليار دولار من القيمة السوقية للموقع؟

جدل ونقاش

أطلقت هذه الهزة الكبيرة في سياسات «فيس بوك» موجة كبيرة من الجدل والنقاش داخل «فيس بوك» وحول العالم، وتصدرت هذه القضية صفحات مواقع التقنية والإعلام عموماً، لأن هناك مئات الآلاف من الناشرين والوكالات الإعلانية والمواقع الإخبارية والشركات الساعية لترويج منتجاتها وخدماتها، باتت تعتمد بصورة ساحقة على «فيس بوك» باعتباره منصة إعلانية واجتماعية تصل من خلالها إلى المستهلكين، وتستهدفهم بإعلاناتها المباشرة، وبالمحتوى الترويجي والتثقيفي والإعلامي الذي يدعم صورتها الذهنية، بل ويسوق منتجها الأول وهو الأخبار كما هي الحال مع شركات الصحافة والإعلام والنشر.

بداية تحوّل

المحتوى بين جاد وخفيف

دعم محللان فكرة «ثورة التصحيح» التي بدأها موقع «فيس بوك»، وسلامتها على المدى البعيد، حتى إن كانت هناك حالة من «عدم اليقين» ستسود على الأجل القصير بين «فيس بوك» وشركائه من الناشرين والمعلنين. وقال المحلل في شركة «آر بي سي كابيتال ماركيتس»، مارك ماهاني، إن جعل التغذية بالمحتوى الاجتماعي أكثر أهمية من المحتوي الإخباري والإعلامي، من شأنه أن يعزز نمو المستخدم والمشاركة على مر الزمن، ومن المرجح أن تكون لذلك آثار إيجابية بالنسبة للأغلبية العظمى من المستخدمين. من جانبه، أكد المحلل في مؤسسة «مورغان ستانلي»، بريان نواك، أن القرار سيساعد «فيس بوك» على أن يستمر في تنمية عائداته على المدى الطويل، لافتاً إلى أن ناشري المحتوى الغث والخفيف أكبر الخاسرين من القرار، لكنه في الوقت نفسه فرصة جديدة أمام المحتوى الجاد.

وقد راجعت «الإمارات اليوم» خلاصات العشرات من التحليلات التي صدرت خلال اليومين الماضيين حول قرار «فيس بوك»، كان من أهمها ثلاثة تقارير أولها التقرير الرسمي الصادر عن «فيس بوك» نفسه الذي نشر على صفحة الأخبار الرسمية الخاصة بالموقع، وتحليل أعده محللو موقع «بيزنس إنسايدر»، والثالث نشره موقع «سي آي أو» المتخصص في المحتوى الموجه للرؤساء التنفيذيين في مؤسسات وشركات تقنية المعلومات والشركات المستخدمة للتقنية.

وفي ضوء ما ساقه الخبراء، فإنه يمكن القول إن أدوات متابعة سلوكيات المستخدمين للموقع وتفضيلاتهم، والقائمة بالأساس على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، والتحليل العميق للبيانات الضخمة، أو ما يمكننا أن نطلق عليه «قرون الاستشعار الذكية» لدى الموقع، رصدت بدايات تحوّل قابل للملاحظة في سلوك وتفضيلات المستخدمين في التعامل مع المحتوى المنشور، نجم عنها تباطؤ في معدلات نمو المستخدمين الجدد، مصحوباً ببدايات تحول للمستخدمين الحاليين إلى منصات أخرى، وهذا الأمر بدا مرتبطاً بتصاعد وطغيان موجة المحتوى غير الاجتماعي داخل الموقع، والمتمثل في البث الإخباري والإعلاني والترويجي من قبل صناعات المحتوى المختلفة: الورقي، والإلكتروني، والفضائي والتلفزيوني والتجاري المحض، فضلاً عمّا صاحب ذلك من توسع كبير في ما يعرف بالأخبار الوهمية، والأنشطة الإخبارية ذات الوجهات السياسية والتجارية، التي بلغت ذروتها مع الضجة المثارة حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية وتوريط «فيس بوك» في هذا الأمر، من خلال محتوى إعلاني سياسي مدفوع وصل إلى ملايين الأميركيين على أنه محتوى إخباري معتاد قابل للاستهلاك.

المستخدمون أولاً

اعتبر «فيس بوك» هذه العلامات خللاً يهدد بفقدان التركيز على أصل ومحور الأعمال التي من أجلها أنشئت الشبكة، وهو «المحتوى الاجتماعي» القائم على المنشورات المتبادلة بين الأصدقاء والمعارف، وكل ما يرتبط بالمحيط الاجتماعي للمستخدم، والانزلاق إلى الغرق في المحتوى الإعلامي المبثوث من جهات وشركات ومنظمات ودور نشر إلى المستخدمين، والفارق بين الاثنين «شعرة» دقيقة.

وكان على موقع «فيس بوك» أن يحافظ على «محور أعماله»، ويضمن استمرار التركيز أولاً على المستخدمين، لا المعلنين، بحسب ما ورد في البيان الصادر عن الشركة، ويبدو أن هذا القرار صدر حتى إن كان ثمنه المباشر تهديداً لمصادر الدخل، وتخفيضاً في قيمة الأسهم على المدى القصير.

ثورة تصحيح

وفق هذا التصور، رأى العديد من الخبراء أن القرار يحمل ما يمكن وصفه بـ«ثورة تصحيح»، تعيد التركيز الأساسي لـ«فيس بوك» إلى جادة الصواب، ليكون الاهتمام الأول بـ«الأصل»، ويتخلص من بريق «الفرع» وهم المعلنون.

والواضح أن «فيس بوك» تعلم التأثير العميق والواسع لهذا القرار التصحيحي على عالم الإعلان والنشر، ولذلك أرسل الموقع رسالة أعدها رئيس شركات الأخبار في «فيس بوك»، كامبل براون، وبعث بها عبر البريد الإلكتروني لشركاء «فيس بوك» من وسائل الإعلام والمعلنين لشرح هذه التغييرات، قائلاً لهم إن صفحاتهم قد تشهد انخفاضاً في معدل الوصول الطبيعي أو «العضوي»، لكن المشاركات والمنشورات والمحادثات ذات المعنى والأكثر قيمة التي تحمل نوعاً من المشاركة الاجتماعية ستكون أقل تأثراً بهذه التغييرات.

وأضاف براون: «قد يرى الأشخاص محتوى أقل يأتي مباشرة من الناشرين والعلامات التجارية والمشاهير في خلاصة أخبارهم، وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون مزعجاً، فإن الناشرين يمكنهم التغلب على ذلك من خلال إعطاء الأولوية للمحتوى الذي يشجع الاتصال بالمجتمع».

ولفت براون إلى أن المحتوى القادم لـ«فيس بوك» من الصفحات التي تؤدي إلى التفاعل بين الأصدقاء سيؤدي أداء أفضل من محتوى الصفحة الذي يحفز الاستهلاك السلبي فقط، دون أي تفاعل بين شخص وآخر.

وفي نهاية رسالته، أكد براون أن الأخبار لاتزال تشكل أولوية قصوى بالنسبة لـ«فيس بوك»، وأن الموقع سيواصل العمل مع الناشرين نحو هدف مشترك هو إبقاء الجمهور متصلاً وأكثر اطلاعاً.

تويتر