تستهدف توفير إنترنت فائق السرعة بكلفة رخيصة
«الإنترنت الليزرية».. 4354 قمراً اصطناعياً تغمر كل سنتيمتر في الأرض بالإنترنت بحلول 2025
انطلق، الأربعاء الماضي، أكبر صاروخ فضائي تم إطلاقه من سطح الأرض إلى الفضاء منذ عقود عدة، وهو الصاروخ «فالكون 9 هيفى»، وعلى متنه حمولة متعددة الأغراض، من بينها قمران اصطناعيان صغيران جديدان تماماً، وغير مسبوقين من حيث الحجم والغرض، لكونهما يعتبران طليعة قائمة تضم 4354 قمراً اصطناعياً مماثلاً، ستكون مسؤولة عن بث وتشغيل ما يعرف بـ«الإنترنت الليزرية»، أو الإنترنت التي تعتمد على الليزر في البث والوصول إلى الأرض، لتوفر خدمة الوصول إلى الشبكة لكل سنتيمتر من الأرض، بسرعات فائقة وكلفة رخيصة.
وقد تم وضع القمرين في مدار منخفض فوق الأرض، بغرض أن يكونا بداية لنشر وتشغيل هذا العدد الضخم من الأقمار الاصطناعية، التي من المفترض أن تعمل بكامل نشاطها بحلول عام 2025.
الأقمار الاصطناعية
وتابعت «الإمارات اليوم» هذا الحدث، عبر موقع شركة «سبيس إكس» الأميركية، التي أطلقت القمرين، وصاحبة فكرة «الإنترنت الليزرية» المعتمدة على الأقمار الاصطناعية، وهو مشروع متكامل وضعه المؤسس والرئيس التنفيذي لـ«سبيس إكس» للصناعات الفضائية، وشقيقتها شركة «تسلا»، التي تصنع سيارات ذكية ذاتية القيادة، تحمل الاسم نفسه إيلون موسك، الذي يعد حالياً من أكثر العقول الابداعية شهرة وتأثيراً في صناعة الاتصالات وتقنية المعلومات.
• مدار أقمار «الإنترنت الليزرية» ينخفض من 35 ألف كيلومتر إلى 1100 كيلومتر فقط. • موسك حظي بتأييد لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية لخطته بصورة مبدئية. |
وينفذ موسك هذه الفكرة، من خلال مشروع متكامل يحمل اسم «ستارلينك»، الذي يستهدف نشر كوكبة من الأقمار الاصطناعية الخفيفة الوزن، العالية التقنية، في مدار منخفض حول الأرض، على ارتفاع يراوح بين 1100 و1325 كيلومتراً، بدلاً من المدارات العالية، التي تستخدمها أقمار الاتصالات الاصطناعية الحالية في توصيل خدمة الإنترنت الفضائية إلى الأرض، والموضوعة على ارتفاعات تصل إلى 35 ألف كيلومتر حول الأرض.
ويستند موسك، في مشروعه، إلى أن المدارات الحالية الشاهقة الارتفاع تجعل الإشارات الحاملة للإنترنت تسافر مسافات طويلة، تبدأ من الأرض إلى الأقمار الاصطناعية، ثم تعود من الأقمار الاصطناعية إلى الأرض مرة أخرى بصورة غزيرة الإشعاع، وهذا يطيل «زمن الاستجابة» داخل شبكات المعلومات والاتصالات على الأرض، ما يجعل الخدمة بطيئة نسبياً.
خفض المدارات
ويحاول موسك، عبر مشروعه، التغلب على هذه العقبة، من خلال تخفيض المدارات التي تعمل عليها الأقمار الاصطناعية، والتي تستقبل الإشارات الحاملة لخدمة الإنترنت، وتعيد بثها إلى الأرض، لتقليل المسافة المقطوعة بين البث وإعادة الإرسال من 70 ألف كيلومتر حالياً، إلى 2200 كيلومتر فقط، ما يجعل «زمن الاستجابة» داخل شبكات المعلومات على الأرض قصيراً للغاية، ويماثل زمن الاستجابة القائم داخل الشبكات الأرضية، سواء السلكية عبر الكابلات، أو اللاسلكية عبر الاتصالات المحمولة، وغيرها.
لكن فكرة موسك تعترضها عقبة مهمة، هي أنه كلما انخفض المدار الذي يعمل به القمر الاصطناعي، تقلصت مساحة الأرض التي تغطيها إشارته، وهو الأمر الذي جعل الأقمار الاصطناعية الحالية تحلق على مدارات شاهقة الارتفاع، لكي تغطي أكبر مساحة ممكنة من الأرض.
التجمع العنقودي
ويتعامل مشروع موسك مع هذه العقبة، من خلال تكثيف وزيادة عدد الأقمار الاصطناعية العاملة في المدار المنخفض، ووضعها في مدارات تراوح بين 1100 و1325 كيلومتراً، بطريقة تجعل منها شبكة متداخلة تشبه التجمع النجمي العنقودي أو الكوكبة النجمية، أو ما يمكن تخيله ككتلة من الأقمار الاصطناعية، جرى رصها ووضعها على مسافات وارتفاعات محسوبة بدقة، ومن ثم تتم تغطية كل سنتيمتر من الأرض.
ولتحقيق هذه الفرضية، يلزم أن يتكون هذا التجمع من الأقمار من 4354 قمراً اصطناعياً صغيراً، لكن هذا التجمع لن يكون عاملاً بكامله في توقيت واحد، فمع الوصول إلى 800 قمر في هذه الشبكة، يمكن الوصول في الوقت نفسه إلى تغطية للأرض بكاملها. لكن بقية الرقم في المشروع سيكون لتعويض الأقمار التي سينتهي عمرها الافتراضي.
وهذا الرقم الضخم من الأقمار الاصطناعية يجعل المشروع يواجه تحديات من نوع آخر، أولها عامل الكلفة، وهو تحدٍّ يرد عليه موسك بأنه سيستخدم الليزر في تشغيل وإعادة بث الإشارات من هذه الأقمار، ما يجعل كلفة الخدمة منخفضة إلى حد كبير، وسريعة في الوقت نفسه.
والتحدي الثاني، هو الوقت المطلوب للإنتاج والإطلاق والتشغيل، وفي هذا السياق يقدر موسك أن الأمر يمكن إنجازه في منتصف العقد المقبل، أي بحلول 2025.
المنافسون والمخلفات
التحدي الثالث أمام المشروع، هو تأثير هذه الشبكة الضخمة في أنشطة المنافسين الآخرين في مجال الاتصالات الفضائية، وفي زيادة مشكلة «القمامة الفضائية»، أو المخلفات الناجمة عن الأقمار الاصطناعية التالفة والمتهالكة.
وأكد موسك أن الأقمار، التي تخرج من الخدمة أو تتهالك، سيتم تخفيض مدارها لتصطدم بالغلاف الجوي، وتحترق وتتبدد في الفضاء، بما لا يجعل للمشروع «قمامة فضائية».
ومن الناحية العملية، حظي موسك بتأييد لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية لخطته بصورة مبدئية، ومنحته اللجنة تصريحاً بإطلاق أول قمرين اصطناعيين من هذا النوع، على سبيل الاختبار، هما القمر «مايكروسات 2 إيه»، و«مايكروسات 2 بي»، اللذان تم إطلاقهما الأربعاء الماضي، على متن الصاروخ «فالكون 9 هيفى» العملاق.