من شركة لبيع الكتب على الإنترنت إلى لاعب مؤثر في اقتصادات الدول (2 من 2)
«أمازون»: شركات التقنية تمتلك الكثير من القوة والتحكم
وسط موجة انتقادات موجهة إلى شركة «أمازون» الأميركية من حكومات ومسؤولين ومحللين حول العالم، بأنها أضرت بالعديد من الأنشطة الاقتصادية القائمة عالمياً، قال المؤسس والرئيس التنفيذي للشركة، جيف بيزوس، إنه سيخصص مليار دولار سنوياً (نحو 3.6 مليارات درهم) من ثروته لبحوث وبرنامج السفر عبر الفضاء، باعتباره المجال الذي سيكون أكثر أهمية لمستقبل البشرية من الحوسبة السحابية والتجارة الإلكترونية والروبوتات الذكية.
وركز بيزوس في مقابلة مطولة استمرت أكثر من ساعة على طرح رؤيته لكيفية عمل «أمازون» ومستقبلها على خلفية الاتهامات والانتقادات الموجهة إليها بأنها باتت تؤثر تأثيراً ضاراً في اقتصادات الدول، كما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مشدداً على أن شركات التقنية الكبرى ليست ملائكة أو شياطين، بل يجب فحصها والتحقق منها كونها تمتلك الكثير من القوة والتحكم.
وتوقع بيزوس أن تكون أول مركبة للسياحة عبر الفضاء متاحة للاستخدام مع بداية العام 2019، مشيراً إلى أن الامور أصبحت قريباً جداً من هذا الهدف، واصفاً الانتقادات الموجهة لشركته بأنها «أشياء يجب التعلم منها والتغير أمامها بلا مقاومة إذا كانت صحيحة».
وقد جاءت تصريحات بيزوس على هامش احتفالية تسلم فيها جائزة «مؤسسة أكسل سبرينغر»، وأجرى معه المقابلة الرئيس التنفيذي للمؤسسة ورئيس تحرير موقع «بيزنس إنسايدر»، ماثياس دوبفنر.
نقد الذات
المنتقدون نوعان حدد المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة «أمازون» الأميركية، جيف بيزوس، نوعين من المنتقدين الذين يهاجمونه على الدوام: الأول منتقدون أصحاب نوايا حسنة، وهؤلاء قلقون على «أمازون» لكنهم يريدونها أن تعمل، مشدداً على وجوب الإنصات إلى هؤلاء والتغير بلا مقاومة أمام آرائهم إذا كانت صحيحة. أما النوع الثاني فهم المنتقدون ذوو المصلحة الذاتية، وهم في العادة مؤسسات منافسة، أو لا تستطيع المنافسة وتتعارض مصالحها مع «أمازون»، وهؤلاء لا يتم الإنصات لهم. |
أوضح بيزوس في بداية المقابلة أن «أمازون» وهو شخصياً، يتعرضون كثيراً للنقد وتوجيه الاتهام في هذا الاتجاه أو ذاك، إلا أنه يتحدث بشكل قاطع مباشر عما إذا كانت الاتهامات الموجهة له بالإضرار باقتصادات الدول أو المؤسسات الأخرى صحيحة أم لا، لكنه عمد إلى شرح الكيفية التي يتعامل بها مع النقد عموماً، إذ قال إن أسلوبه في التعامل مع النقد الذي يحث العاملين في «أمازون» على القيام به دوما هو: «انظر لنفسك في المرآة وقرر: هل منتقدوك على حق؟ وإذا كانوا كذلك، فتغير وصحح نفسك ولا تقاوم أو تعاند».
ويرى بيزوس أن الشركة ومديريها التنفيذيين سيكونون ساذجين للغاية إذا ما اعتقدوا أن «أمازون» لن يتم انتقادها، لأنك إذا كنت تفعل أي شيء جديد أو مبتكر، فاستعد لسوء الفهم من قبل البعض، والهجوم من قبل البعض الآخر، وإذا كنت ترغب في ألا يساء فهمك، فلا تفعل شيئاً جديداً أو مبتكراً.
وتابع: «منذ إنشاء (أمازون) ونحن نرتكب أخطاء، وكان لدينا منتقدون، وتغيرنا وصححنا أنفسنا، وبعض أخطائنا كانت غبية جداً بصورة يصعب معها الآن أن نصدق كيف فعلنا ذلك في حينها».
المستقبل في الفضاء
وتحدث بيزوس عن مستقبل البشرية كما يراه هو شخصياً، وأسهب في الحديث عن مشروع «الأصل الأزرق»، وهي تسمية مستوحاة من لون الأرض الأزرق الذي يظهر لرواد الفضاء في السماء، وهو المشروع الذي يتضمن بناء مركبات مدارية فضائية للسياحة والسفر في الفضاء.
وقال إن المشروع سيحظى باستثمارات قدرها مليار دولار سنوياً، مؤكداً أنه يرى المشروع أكثر أهمية من الحوسبة السحابية والتجارة الالكترونية، وتجارة التجزئة والنشر الإلكتروني وغيرها من أنشطة «أمازون» الرئيسة الحالية.
الإنسانية والحضارة
أما الدافع الأساسي وراء دعم بيزوس لمشروع «الأصل الأزرق» فيتمثل ـ بحسب رأيه ـ في أن الإنسانية إذا لم تتجه صوب الفضاء، وتبحث في آفاق جديدة، فسينتهي بها المطاف إلى حضارة راكدة غير ديناميكية وغير قادرة على مواصلة النمو، لأن الموارد الأرضية تتجه للنفاد، أما التوجه للفضاء فسيقود الى موارد غير محدودة، ويجعل لدى الإنسانية ألف عالم فيزياء مثل آينشتاين، وألف موسيقي مثل موزارت. وقال: «هذا هو العالم الذي أريد أن يعيش فيه أحفاد أحفادنا، وفي هذا الإطار الزمني سننقل جميع الصناعات الثقيلة من الأرض، ليتم تقسيم كوكب الأرض بين المناطق السكنية والصناعية الخفيفة، ليكون بالأساس كوكباً جميلاً جداً».
وأضاف بيزوس: «نحن نعمل على هذا السيناريو من الآن، وستكون لدينا أول مركبة فضائية سياحية مع نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل».
شياطين أم ملائكة؟
وتلقى بيزوس سؤالاً عمّا إذا كانت شركات التقنية الكبرى العاملة حالياً ملائكة ولطفاء مع الآخرين، أم شياطين وشر يتحكم في بيانات الناس ويحصد من ورائها الأموال الطائلة، وحدد السؤال خمس شركات بعينها هي: «أمازون»، و«غوغل»، و«مايكروسوفت»، و«فيس بوك»، و«أبل»، وهو موقف تحدث به مفكرون اقتصاديون من أمثال سكوت جالوي في مجلة «إيكونومست»، والعديد من مسؤولي المفوضية الأوروبية، فضلاً عن رجل الأعمال الشهير جورج سورس.
وهنا قال بيزوس إن هذه النظرة تعد غريزة طبيعية وأمراً صحياً، إذ لابد أن يكون هناك من يراجع ويدقق ويتشكك في كل شيء، ليس فقط في الشركات الكبيرة، ولكن أيضاً في الحكومات والمؤسسات والشرطة والجيش وغيرها.
وتابع: «لا يعني هذا أنك لا تثق بهم، أو أنهم سيئون أو شر، أو أي شيء من هذا القبيل، لكن الأمر في حقيقته أنهم يمتلكون الكثير من القوة والتحكم، لذلك فأنت تريد أن تفحصهم. ربما هذه كلمة أفضل من كلمة (التفتيش)، وإذا نظرت إلى شركات التكنولوجيا الكبرى، فقد حصلت على ما يكفي من احتياجاتها، ولابد من فحصها وتدقيق ومراجعة أعمالها، وهذه أشياء ليست شخصية، ويجب على الشركة أو المؤسسة ألا تعترض قائلة: لماذا تفتشني أو تفحصني؟ لكن الأفضل أن تقول: نعم لا بأس من التدقيق والفحص والمراجعة، وهذا ما يجب أن تقبله أي إدارة أو أي وكالة حكومية أخرى في جميع أنحاء العالم، و(أمازون) هي الآن شركة كبيرة، وأتوقع أن يتم فحصنا، بل يجب أن يتم فحصنا، نحن وجميع المؤسسات الكبيرة، وهنا لا مجال للتصنيف بين شياطين وملائكة».