فيرجسون أكد أن موازنة استخدام التقنية مع جوانب أخرى من الحياة اليومية أمر مطلوب ومعقول. أرشيفية

عالِم أميركي يحدد 5 أساطير زائفة حول «إدمان التقنية»

أثار بحث جديد حول ظاهرة «إدمان التقنية» وآثارها النفسية والسلوكية على الإنسان، عاصفة من الجدل خلال الأيام الماضية، بعدما وصف كل ما يقال عن هذه الظاهرة بأنه مجرد «خمس أساطير زائفة»، ليس لها أساس علمي، ولا تستند إلى أسس راسخة، بل إلى بيانات ضعيفة، وتسبب حالة من الذعر الأخلاقي بلا مبرر. وهاجم البحث قرار منظمة الصحة العالمية، الصادر خلال الشهر الجاري، الذي اعتبر «اضطراب الألعاب» المرتبط بالإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية، مرضاً في حد ذاته يضاف إلى مجموعتها الدولية للأمراض.

وأشار البحث إلى أن «اضطراب الألعاب» هو أحد أعراض مشكلات الصحة العقلية الأخرى، مثل الاكتئاب، ولا ينتج مطلقاً عن الإفراط في اللعب الإلكتروني.

البحث الجديد

الفئات العمرية

أكد عالم النفس الأميركي الشهير، كريستوفر فيرجسون، أن معدلات الانتحار ارتفعت بالنسبة لجميع الفئات العمرية تقريباً، ولاسيما البالغين في منتصف العمر، خلال فترة 17 عاماً، من عام 1999 إلى عام 2016. ويبدو أن هذا الارتفاع بدأ في عام 2008 تقريباً، خلال الانهيار المالي، وأصبح أكثر وضوحاً منذ ذلك الحين. ويقلل ذلك من الادعاء بأن التقنية تسبب الانتحار بين المراهقين، كما أن هناك حقيقة أخرى تبدد هذا الادعاء، وهي أن معدلات الانتحار بين البالغين في منتصف العمر أعلى بكثير من معدلات الانتحار بين الشباب والمراهقين.

وتم نشر البحث الجديد بمجلة «علم النفس اليوم» psychologytoday.com، الثلاثاء الماضي، وأجراه عالم النفس الأميركي الشهير أستاذ ورئيس مشارك لعلم النفس بجامعة ستيتسون في فلوريدا، وزميل جمعية علم النفس الأميركية، كريستوفر فيرجسون، الذي عمل سابقاً أستاذاً مساعداً في علم النفس والعدالة الجنائية بجامعة تكساس، واستند بحثه إلى تجارب ميدانية ومتابعات حية مع المراهقين والعائلات.

وقال فيرجسون في بحثه إن «موازنة استخدام التقنية مع جوانب أخرى من الحياة اليومية أمر مطلوب ومعقول، لكن هناك الكثير من النصائح المتضاربة حول النقطة، أو الحد الذي يتحقق فيه هذا التوازن»، مضيفاً أن هناك الكثير من «اللغط» والنقاش حول هذه النقطة، ومعظم المزاعم المتعلقة بالتخويف من التقنية مجرد هراء، وأغلبها يتمحور حول خمس أساطير زائفة.

1- التقنية ليست مخدراً

ادعى البعض أن استخدام التقنية ينشط مراكز المتعة في المخ، مثلما يفعل الكوكايين والهيروين أو «الميثامفيتامين»، وهذا صحيح بشكل غامض وناقص ولا علمي، لأن استجابات المخ لمثيرات المتعة لا تقتصر على المخدرات فقط، بل تحدث في الكثير من الحالات الطبيعية، كما يحدث مثلاً عند السباحة أو قراءة كتاب جيد أو الانخراط في حديث ممتع، أو تناول الطعام أو ممارسة الجنس، وما تسببه التقنية من زيادة في إفراز «الدوبامين» بالمخ، يندرج في إطار «المثيرات الطبيعية»، لأن استخدام التقنية يتسبب في زيادة إطلاق «الدوبامين» بما يراوح بين 50 و100% فوق المستويات الطبيعية، وهو المستوى نفسه الذي يحدث مع المثيرات الطبيعية السابقة.

وعلى النقيض من ذلك، يتسبب الكوكايين في إفراز «الدوبامين» بالمخ بنسبة 350%، و«الميثامفيتامين» يتسبب في زيادته إلى 1200%، وبالإضافة إلى ذلك وجدت أدلة حديثة اختلافات كبيرة في كيفية عمل مستقبلات «الدوبامين» بين الأشخاص الذين تسبب استخدام الحاسب في حدوث مشكلات في حياتهم اليومية، مقارنة بمتعاطي المخدرات.

ووصف فيرجسون المقولات المتداولة عن تشبيه التقنية بالمواد المخدرة في زيادة إفراز «الدوبامين»، بمن يحاول تشبيه قطرة صنبور بشلال متدفق من المياه، ولذلك فهذا الأمر مجرد أسطورة زائفة.

2- إدمان التقنية عَرَض لا مرض

اعترض فيرجسون على قرار منظمة الصحة العالمية، الصادر هذا الشهر، بشأن «اضطراب الألعاب» واعتبارها ضمن مجموعتها الدولية للأمراض، ووصفه بأنه قرار مثير للجدل للغاية. وقال: «من بين 28 باحثاً كتبوا إلى منظمة الصحة العالمية، يحتجون على أن هذا القرار لم يكن (علمياً)، ويتجاهل الأبحاث التي أشارت إلى أن (اضطراب الألعاب) هو أحد أعراض مشكلات الصحة العقلية الأخرى، مثل الاكتئاب، وليس مرضاً في حد ذاته، وهو الموقف الذي اتخذه قسم علم النفس وتقنيات وسائل الإعلام في الجمعية الأميركية لعلم النفس، كما أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وجدت أن البيانات الحالية لا تدعم إدمان التقنية على أنها تشخيصات قائمة بذاتها، وإنما أعراض مصاحبة لأمراض أخرى، وقد اقترحت أبحاث إضافية أن أي مشكلات في استخدامات التقنية قد تكون أكثر اعتدالاً مما يحدث مع مرض عقلي، وعادة ما تختفي من تلقاء نفسها دون علاج».

3- «إدمان التقنية» لا ينتج عنها

تشير معظم مناقشات إدمان التقنية، إلى أن التقنية في حد ذاتها أمر ساحر يفتتن به، ويسبب ما يشبه التنويم المغناطيسي، ما يضر بالمخ البشري الطبيعي. وفي هذه النقطة أكد فيرجسون أن أبحاثه تشير إلى أن إدمان التقنية عادة ما يكون من أعراض الاضطرابات الأساسية الأخرى، مثل الاكتئاب والقلق ومشكلات الانتباه، مثلما يحدث مثلاً حينما يظل من يعاني من الاكتئاب في السرير طوال اليوم، ولا يصح هنا القول إنه يعاني من حالة «إدمان السرير»، وبالتالي فإن الجهود المبذولة لعلاج «إدمان التقنية» قد لا تفعل أكثر من معالجة الأعراض، تاركة المشكلة الحقيقية من دون تغيير.

4- إدمان التقنية ليس أمراً فريداً

من الأساطير الشائعة أن إدمان التقنية أمر فريد من نوعه، ولا يتشابه مع أشكال الإدمان الأخرى، وهنا رد فيرجسون بقوله إن بعض الناس يبالغون في مجموعة واسعة من الأنشطة، وتشمل هذه الأنشطة استخدام التقنية، لكن أيضاً ممارسة الرياضة، والأكل، والجنس، والعمل، والدين، والتسوق، أمور يمكن أن يسرف الناس في ممارستها، وهناك أوراق بحثية تتحدث عن إدمان الرقص، لكن القليل منهم لديه تشخيص رسمي مقبول لما يزعمون أنه أشكال فريدة من الإدمان.

5- التقنية لا تؤدي إلى الانتحار

أشار بعض الباحثين إلى أن الارتفاع الأخير في معدلات الانتحار بين المراهقات دليل على مشكلات لها علاقة باستخدام التقنية، كالإدمان على الهاتف المحمول والألعاب وشبكات التواصل الاجتماعي، وزعمت إحدى الصحف أن هناك ارتباطاً بين استخدام التقنية والانتحار والاكتئاب في سن المراهقة. وفي هذه النقطة قال فيرجسون إن عالماً آخر له حق الوصول إلى البيانات نفسها أظهر أن التأثير لم يكن أكبر من الارتباط بين أكل البطاطا والانتحار.

الأكثر مشاركة