مؤسِّسا «إنستغرام» يرحلان عن «فيس بوك»
رحل مؤسّسا شبكة «إنستغرام»، كيفن سيستروم ومايك كريجر، صباح يوم 24 سبتمبر رسمياً، من شركة «فيس بوك» الأميركية التي استحوذت على شركتهما في عام 2012.
وجاء قرار الرحيل ليؤكد الصفة أو السمة الخالدة التي عادة ما تحكم الصفقات الكبيرة في عالم التقنية، وهي أن «الفراق وإن طال العناق» لابد أن يقع بين من يملك الإبداع في شركة ناشئة، ومن يملك المال والإدارة في شركة عملاقة تقوم بالاستحواذ، ففي المعتاد يحدث هذا الفراق في فترة لا تتعدى أربع سنوات، لكن «العناق» والتوافق والعمل المشترك بين مؤسسي «إنستغرام»، ومؤسس «فيس بوك» ومالك الحصة الكبرى في أسهمه، مارك زوكربيرغ، استمر عامين إضافيين، لتصل فترة الوفاق بينهما إلى ست سنوات.
شبكة «إنستغرام»
«إنستغرام» هي الشبكة الاجتماعية الأقوى والأكثر انتشاراً في مجال تبادل الصور عالمياً، إذ تخطى عدد مستخدميها مليار مستخدم خلال الفترة الأخيرة، أما «فيس بوك» فهي الشبكة الأقوى على الإطلاق في مجال التواصل الاجتماعي في شكله العام، بالنص والصورة والفيديو، واستحوذت على «إنستغرام» في صفقة فاقت المليار دولار عام 2012. وتم الاتفاق خلال الصفقة على أن تظل «إنستغرام» مستقلة في إدارتها، وتتم المحافظة عليها كنموذج عمل مميز عن «فيس بوك»، وأن يقوم كيفن سيستروم بأعمال المدير التنفيذي، ومايك كريجر، مديراً تقنياً.
رصد تاريخي
الرصد التاريخي لرحلة مبدعي الشركات الناشئة داخل الشركات الكبيرة التي تستحوذ عليها يؤكد دوماً، كما يشير تحليل نشره موقع «بيزنس إنسايدر» businessinsider.com حول واقعة رحيل مؤسسي «إنستغرام» من «فيس بوك»، أن مآل من ينشئون الشركات الناشئة أو حتى الشركات الضخمة التي يتم الاستحواذ عليها، إلى الخروج منها في العادة، وإن طال الزمن، إذاً لابد من أن يسيطر نموذج عمل على آخر، وأن تذوب ثقافة الشركة الواقعة تحت الاستحواذ في ثقافة الشركة المستحوذة.
وقد حدث هذا مراراً وتكراراً، اذ اختفت أسماء كانت ملء السمع والبصر وذهبت في غياهب النسيان، بعدما جرى «تذويبها» تماماً في الكيان الذي استحوذ عليها، ومنها شركة «صن مايكروسيستم» العاملة في مجال الشبكات والبنية التحتية، واستحوذت عليها «أوراكل» ولم يعد لها وجود، وشركة «كومباك» التي كانت عملاقة في صناعة أجهزة الكمبيوتر الشخصية وأنهت «إتش بي» وجودها، وأخيراً شركة «ياهو» التي باتت مجرد إدارة صغيرة في شركة أخرى.
وفي كل الأحوال، كان مآل قادة ومؤسسي الشركات المستحوذ عليها، هو الاستمرار لفترة مطلوبة للتبديل وإنجاز التحول، ثم الخروج، لذلك لا يرى المحللون في ما حدث بين مارك زوكربيرغ ومؤسسي «إنستغرام» أمراً شخصياً، أو قراراً تحكمه أنانية مارك وميله للسطوة، أو تسلطاً من بعض مديري «فيس بوك» الكبار، لكنه في الأساس «هضم» لثقافة في أخرى، وتذويب لنموذج عمل في آخر، كان لابد أن يحدث في نهاية المطاف.
مساحة إضافية
وعند تفسير ذلك من الناحية العملية الموضوعية، بعيداً عن التفسيرات الشخصية والنفسية، فإننا نجد أن العلاقة بين «فيس بوك» و«إنستغرام» قامت على أن الأخيرة هي مساحة إضافية للنمو بالنسبة لـ«فيس بوك»، بعدما اشارت العديد من البيانات إلى أن المساحات الإعلانية في منصة «فيس بوك» الرئيسة بدأت تنحسر، وبدأ المستخدمون في التراجع عن قضاء أوقاتهم داخله، ويرحلون إلى «إنستغرام»، التي تعتبر قلعة الصور مع انتشار ظاهرة «سيلفي»، وتطور كاميرات الهواتف الذكية، لذلك كانت خدمة القصص الإخبارية على «إنستغرام» أو«ستوريز» المصورة السريعة هي منجم الذهب الجديد الذي يمكن لـ«فيس بوك» أن يستغله.
على هذا الأساس قادت «فيس بوك» هجوماً على «إنستغرام»، حتى تمكنت من الاستحواذ عليها، وخلال السنوات التالية للاستحواذ، كان الأمر يمضي نحو تحويل «إنستغرام» إلى جسر ينقل المستخدمين إلى داخل «فيس بوك»، وفي البداية لم يكن الأمر قد وصل إلى حد التصادم بين رؤى مؤسسي «إنستغرام» من ناحية، ومارك زوكربيرغ من ناحية أخرى، إذ إنه بحسب ما ذكرته مصادر مقربة من الشركة لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن الأمر قليلاً ما كان يحتد بينهما، ثم سرعان ما كانا يسيطران على الوضع.
شبكة الصور
ومع إطلاق «ستوريز» داخل «إنستغرام» وتحقيقها نجاحاً ساحقاً فاق نجاح خدمة «سناب شات»، لمعت عينا «فيس بوك» لتستفيد من شبكة الصور التي وصل عدد مستخدميها خلال أشهر قليلة من إطلاقها إلى 300 مليون مستخدم شهري، وبدأ في إتاحة إمكانية إطلاق «ستوريز» من «إنستغرام» إلى «فيس بوك»، وفي الوقت نفسه سبق ذلك إتاحة ميزة مزامنة نشر الصور على «فيس بوك» لحظة إطلاقها على «إنستغرام»، ما أكسب «فيس بوك» محتوى جديداً مثيراً من لا شيء.
وبدأت «فيس بوك» في العام الماضي بنشر «إنستغرام» داخل تطبيقها الرئيس، ففي الجزء الخاص بإعدادات التطبيق، تم وضع رمز لـ«إنستغرام» كاختصار لنقلك مباشرة إلى داخل تطبيق الصور دون الحاجة لغلق «فيس بوك»، لتستمر أطراف الإمبراطورية الزرقاء بالتمدد.
نهجان مختلفان
في هذه اللحظة كان نهج «الإبداع أولاً» يقف وجهاً لوجه أمام نهج «المال أولاً»، ذلك أن مؤسسي «إنستغرام» لا يزالان عند عقلية ونموذج عمل تطوير فكرة، و«فيس بوك» باتت في موضع «إدارة أعمال مؤسسة».
عارض مؤسسا «إنستغرام» توجهات «فيس بوك»، ما أثار حفيظة مارك، فأعلن الحرب على «قطعة من مملكته»، وقطع جميع الطرق التي تؤدي إلى «إنستغرام» من داخل «فيس بوك»، لينتهي الأمر بالنتيجة الحتمية المتوقعة والمعتادة، وهي خروج مؤسسي «إنستغرام»، وفتح الطريق نحو التطبيق الصارم لرؤى «فيس بوك».
من الناحية البروتوكولية الإجرائية، أصدر كيفن سيستورم بياناً قال فيه إنه وصديقه كريجر يبحثان عن الإبداع بداخلهما لتقديم شيء جديد، وهذا هو سبب تقديم استقالتيهما، ويفضلان أخذ راحة بعض الوقت للبحث عن الفضول والإبداع بداخلهما بعيداً عن «إنستغرام».
من جانبه، نشر مارك زوكربيرغ بياناً رسمياً أشاد فيه بأداء الثنائي، وتمنى لهما كل التوفيق في المستقبل، وأعلن أنه متشوق لرؤية خطوتهما المقبلة، وهكذا حدث الفراق بعد طول عناق.
لحظة الحقيقة
بدأ «العناق» يخفّ والجفاء يتولد بين «فيس بوك» و«إنستغرام» مع غلظة تدخلات «فيس بوك» في أعمال «إنستغرام»، وحلول لحظة الحقيقة، وهي أن نموذج أعمال «إنستغرام» لابد أن يذوب في نموذج أعمال «فيس بوك»، وأن «إنستغرام» التي تمثل جزءاً مملوكاً لإمبراطورية «فيس بوك»، عليها أن تعمل كسلّم ترتفع به «فيس بوك» إلى مستوى أعلى، يحسن مرتبته المتدنية بين قطاع واسع من المستخدمين، هو فئة المراهقين، لتحقيق مزيد من المكانة والأرباح والعائدات.