«الاستخدام على المشاع» يتسبب في صراع بين أقطاب «البرمجيات مفتوحة المصدر»
اندلعت خلال الشهر الجاري منافسة كبيرة بين الأقطاب الكبار في تطوير وتصنيع البرمجيات مفتوحة المصدر، وذلك بعد قيام شركة «ريديس لاب»، إحدى أكبر الشركات العاملة في إنتاج هذه النوعية من البرمجيات، بإصدار نوع جديد من تراخيص الاستخدام، التي تضع الأساس القانوني للتعامل مع البرمجيات، تحت اسم «الاستخدام على المشاع».
ويتضمن النوع الجديد من التراخيص قيوداً، على إعادة استخدام البرمجيات مفتوحة المصدر المجانية التي تنتجها، لم تكن تضعها من قبل، وذلك لأول مرة منذ إنشائها قبل أكثر من 10 سنوات.
ودعت «ريديس لاب» الشركات والجهات التي تعمل في هذا المجال إلي أن تحذو حذوها وتصدر تراخيص استخدام قانونية متضمنة هذه القيود، ما فجر صراعاً تصاعدت سخونته خلال الأيام الماضية، بعدما اختار فريق من الخبراء والشركات الوقوف إلى جانب التراخيص الجديدة، فيما أعلنت أغلب الكيانات الراعية والمنظمة للبرمجيات مفتوحة المصدر والمجانية حول العالم، خصوصاً في أميركا وأوروبا، رفضها لهذا التوجه، واعتبرته انتهاكاً للمعايير والمبادئ التي قامت عليها حركة البرمجيات مفتوحة المصدر منذ انتشارها مطلع عام 1998.
حزمة برمجيات
واندلع هذا الصراع حينما أصدرت «ريديس لاب»، أخيراً، نوعاً جديداً من التراخيص لحزمة برمجيات «ريديس» التي تنتجها وفق قواعد البرمجيات مفتوحة المصدر. ويحظر هذا النوع من التراخيص،على الشركات والمؤسسات التي تستخدم «ريديس»، أن تقوم بإعادة تعليبها وتغليفها تحت اسم جديد يجعلها كأنها منتج جديد يستخدم في تقديم خدمات تجارية لأي طرف آخر.
وتعد برمجيات «ريديس»، التي تنتجها «ريديس لاب»، من أكثر البرمجيات مفتوحة المصدر انتشاراً في عالم البرمجة، لكونها تستخدم كمخزن لهيكلة البيانات داخل الذاكرة الإلكترونية للأجهزة، وكمركز للذاكرة «المخبأة»، كما تعمل كوسيط رسائل يدعم هياكل البيانات، في الكثير من الأعمال مثل سلاسل القوائم والفهارس والمجموعات، واستعلامات النقاط، والصور النقطية، والفهارس الجغرافية، والعديد من الوظائف المهمة في مجال التعامل مع وسائط التخزين.
إعادة التغليف
وأرجعت «ريديس لاب» قرارها إلي قيام بعض الشركات الموفرة لخدمات الحوسبة السحابية، باستخدام ترخيص الاستخدام المفتوح المصدر لهذه الحزمة على نحو غير سليم، حيث تقوم هذه الشركات بإعادة تغليف البرامج والحزم مفتوحة المصدر، ثم تعيد تقديمها في عروض خدمات تنافسية خاصة، وكأنها برامج من إنتاجها بالكامل، ثم تطبق عليها سياساتها الاحتكارية المتبعة مع البرمجيات مغلقة المصدر، لتحقق من ورائها مئات الملايين من الدولارات.
وقالت الشركة إن المثال الصارخ على هذا الأمر هو قيام شركة «أمازون» بإعادة تغليف حزمة برمجيات «ريديس» مفتوحة المصدر، وتقديمها ضمن خدمتها للحوسبة السحابية المعروفة باسم «خدمات ويب أمازون» أو «إيه دبليو إس»، كخدمة متخصصة في تقديم «البنية التحتية المدارة» كخدمة. وأكدت «ريديس» أن هذا السلوك من جانب «أمازون» يعد تصرفاً غير قانوني، ولا يفضي إلى استدامة مجتمعات مفتوحة المصدر، والتراخيص المعدلة الجديدة تحاول الوقوف ضد هذا التصرف.
قيود على البيع
وأنشأت الشركة موقعاً خاصاً لتقديم وشرح الترخيص الجديد، وطبقاً للتفاصيل المنشورة على هذا الموقع commonsclause.com، فإن ترخيص «الاستخدام على المشاع» يطبق الشروط الواردة في ترخيص البرمجيات مفتوحة المصدر الحالية، لكنه يضع قيوداً تجارية ضيقة النطاق على البرمجيات التي تعمل وفقاً له، فهو يمنع الجهة المستخدمة له من بيع البرنامج، كما ينص على أنه لا يجوز لمن يحصل عليه استضافة أو تقديم خدمات استشارية أو دعم كمنتج أو خدمة تستمد قيمتها، كليا أو جوهريا، من وظائف البرنامج الذي يخضع لهذا النوع من التراخيص.
ولا يقصد من هذا الترخيص استبدال تراخيص مشروعات المصدر المفتوح الموجودة بشكل عام، لكن سيتم استخدامها في مشروعات محددة لتلبية متطلبات العمل أو المتطلبات القانونية العاجلة، من دون اللجوء إلى إغلاق المصدر أو كود البرنامج بالكامل، وعند تطبيقه عملياً فهو ينطبق على حزم البرمجيات الجديدة والمستقبلية فقط، وليست المستخدمة حالياً أو الجاري استخدامها منذ فترة.
صراع معلن
في المقابل، وجهت المؤسسات والكيانات الكبرى العاملة في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر، انتقادات حادة لتراخيص «الاستخدام على المشاع»، وكان أعنفها على الإطلاق البيان الذي نشره مجلس إدارة منظمة «مبادرة المصادر المفتوحة»، أكبر كيان عالمي معترف به في مجال البرمجيات المفتوحة المصدر، وظهر على موقعها الرسمي opensource.org، ووقعت عليه 37 هيئة ومنظمة وكياناً تعمل في مجال البرمجيات مفتوحة المصدر حول العالم.
وجاء في البيان أن البرمجيات المفتوحة المصدر، تعني وصول المستخدم إلى شفرة المصدر الخاصة بالبرنامج كاملة، وفق معايير عدة تتضمن إعادة توزيع هذه البرامج والمصادر بصفة مجانية، وأن يسمح بالتوزيع في التعليمات البرمجية، بالإضافة إلى النموذج المجمع، وأن يسمح الترخيص بإجراء تعديلات وأعمال مشتقة.
ويجب أن يسمح بتوزيعها وفقاً لشروط ترخيص البرنامج الأصلي، وألا يكون هناك تمييز في استخدام البرنامج ضد أشخاص أو مجموعة من الأشخاص، أو تمييز ضد أي من مجالات العمل.
كما يجب أن تنطبق الحقوق الملحقة بالبرنامج على جميع الأشخاص الذين يعاد توزيع البرنامج لهم، من دون الحاجة إلى تنفيذ ترخيص إضافي من قبل هؤلاء الأطراف، ويجب أن يكون الترخيص حيادياً.
ولا يجوز أن يستند أي شرط من الترخيص إلى أي تقنية فردية أو نمط.
وأكد أن مبادرة المصدر المفتوح وأعضاءها والشركات التابعة لها والجهات الراعية، يعملون على تعزيز التعريف الأساسي وحمايته من خلال مراجعة ترخيص البرامج والموافقة عليها، فالبرمجيات مفتوحة المصدر ونموذج التطوير الذي تمثله، تعد نموذجاً لمجموعة من المثل العليا التي حملت العديد من المشروعات إلى النجاح.
وانتهى البيان إلى أنه «في الآونة الأخيرة كانت هناك جهود لتقويض سلامة المصدر المفتوح، من خلال الادعاء بعدم الحاجة إلى تعريف واحد وموثوق، وهذه الجهود مدفوعة بمصالح قلة وليست مصلحة الجميع، وهي تتناقض مع المبادئ التي خدمتنا جيداً في العقود الماضية، وإذا سمح لها بالمتابعة فإن هذه الجهود ستؤدي إلى تآكل ثقة كل من المستخدمين والمساهمين، وستعرقل الابتكار الذي تم تمكينه بوساطة البرامج مفتوحة المصدر تماماً، كما أن تعريفات متعددة للكيلوغرام من شأنه أن يؤدي إلى تآكل التجارة وتقويضها».
التعريف الموحد
أكد البيان الذي نشره مجلس إدارة منظمة «مبادرة المصادر المفتوحة» أنه من دون هذا التعريف الموحد «للمصدر المفتوح»، سيكون تطوير البرمجيات كما نعرفه غير ممكن، ولن توجد ثقة، ومن دونها لا يوجد مجتمع ولا تعاون ولا ابتكار.
التراخيص الجديدة تضع قيوداً على إعادة استخدام البرمجيات المفتوحة المجانية.