«علي بابا» توفر حالياً روابط على الفيديو للشراء من منصات التجارة الإلكترونية. أرشيفية

الصين تقود مستقبل التجزئة عالمياً عبر «التجارة الاجتماعية»

عندما تشاهد نجمك المفضل في لقطة فيديو لفيلم سينمائي أو حفل موسيقي عبر هاتفك المحمول، وأنت تطالع «فيس بوك» أو «إنستغرام» أو «تويتر»، وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي، ورأيته يرتدي نظارة أنيقة، أو ملابس جميلة، أو إكسسوارات تشعرك بالبهجة، وتحرّك لديك شعوراً بالرغبة في شرائها واقتنائها، فما عليك سوى أن تضغط على مفتاح التسوق الذي يظهر على الفيديو، لتختار البند الذي تريد شراؤه، فتجد نفسك بمنصة تجارة إلكترونية، تساعدك في الشراء والدفع وتوصيل السلعة، وهذا بالضبط ما يعرف «بالتجارة الاجتماعية» التي بدأت تنمو بسرعة كبيرة، وتعد بإحداث أكبر تغيير من نوعه في تاريخ تجارة التجزئة.

و«التجارة الاجتماعية»، هي المعاملات التجارية التي ينفذها المشتري أو الزبون النهائي للسلع والمنتجات، وتتم إلكترونياً عبر الاندماج والتلاحم بين التجارة الإلكترونية بمفهومها التقليدي، ومنصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وتخرج منها تقريباً تكتيكات ووسائل التسويق المعتادة من إعلانات وحملات ترويج وخلافه، كما يخرج منها التأثير المعنوي التاريخي لفكرة العلامة التجارية الكبرى الشهيرة، ليحل محلها التأثير الفوري المتلاحم بين الشخصيات المؤثرة على وسائل التواصل، والمشتري أو الزبون النهائي مباشرة، ليكون المجال مفتوحاً ويتسع أمام الماركات الصغيرة المتخصصة، والتجارب الشخصية، ويضيق وينغلق أمام الماركات الكبيرة والتجارب والخبرات العامة.

الصين تكتب المستقبل

وطبقاً لتقرير نشره قسم التقنية بوكالة «بلومبيرغ» الاقتصادية، واستند إلى دراسات من مؤسسات متخصصة في دراسات تجارة التجزئة وبحوث التسويق، من بينها مؤسسة «فروست آند سوليفان»، و«أو سي آند سي» للاستشارات الاستراتيجية، فإن الصين هي من يكتب حالياً مستقبل تجارة التجزئة عالمياً، فشركات الإنترنت والتجارة الإلكترونية، ومنصات التواصل الاجتماعي، والشريحة العمرية المعروفة بـ«جيل زد» في الصين، هي من يقود عملياً ظاهرة «التجارة الاجتماعية»، حيث يمثل أبناء «الجيل زد» 13% تقريباً من إنفاق الأسرة بالصين، كما يعتبرون الجزء الأكبر من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية المتطورة معاً، ولذلك يتوقع أن يتضاعف حجم «التجارة الاجتماعية» بالصين خمس مرات، من الآن وحتى عام 2022، ليصبح في حدود 413 مليار دولار.

«الجيل زد»

أبناء «الجيل زد» هي الشريحة العمرية التي ولدت بين عامي 1995 و2005، وتراوح أعمارها الآن بين 20 و25 عاماً، ويستخدمون الإنترنت منذ صغرهم، ومرتاحون تماماً للتقنية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا يتأثرون بالأسماء التجارية البراقة والحملات الإعلانية التقليدية، وينظرون إلى ما وراء المتاجر المادية وبوابات التجارة الإلكترونية التي اعتادها أسلافهم، ويشترون سلعا يقترحها مؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، ويستخدمون المراسلة ومقاطع الفيديو القصيرة وتطبيقات البث المباشر وتطبيقات الوسائط الاجتماعية كبوابات لإجراء عمليات الشراء.

أدوات الشراء

ومن الناحية التقنية، تستند «التجارة الاجتماعية» إلى عمليات دمج وانصهار شبه كامل بين طرفين، الأول هو ساحات العرض والاختيار، التي تظهر فيها السلع والمنتجات بصورة عرضية عفوية، ليس الهدف منها التسويق للسلعة أو المنتج بالأساس، وإنما يحدث ذلك خلال الاستهلاك التلقائي لمحتوى يطالعه المشتري بغرض الترفيه، أو المعرفة، أو لتنفيذ مهام تتصل بحياته اليومية بتفاصيلها المختلفة، وهو ما يجعل وسائل التواصل الاجتماعي ساحات للعرض والاختيار العفوي غير المخطط.

والطرف الثاني هو أدوات الشراء والدفع، وتحويل قرارات الاختيار إلى قرارات شراء فعلية، وهي هنا الجيل الجديد من منصات التجارة الإلكترونية الأكثر ديناميكية وحركة وسرعة في الاستجابة. وكلا الطرفين موجودان عملياً على الهواتف الذكية والأجهزة اليدوية، التي تعتبر النافذة التي يدلف منها المستهلك إلى وسائل التواصل الاجتماعي.

ويبدأ سيناريو التنفيذ الفعلي للتجارة الاجتماعية بمطالعة المستهلك لوسائل التواصل الاجتماعي، وأثناء ذلك يقوم باختيار ما يرغب في شرائه، فتتولى تطبيقات وأدوات الربط بين وسائل التواصل ومنصات التجارة الإلكترونية، مهمة التنفيذ اللحظي الفوري لقرار الشراء.

التجربة الصينية

وعندما تشتري طالبة بجامعة شنغهاي، مثلاً، مستحضرات تجميل، فإنها لا تتأثر بمحال التجميل والعلامات التجارية الكبرى، وبدلاً من ذلك تعتمد على منصة تجارة إلكترونية مرتبطة بتطبيق أو منصة للتواصل الاجتماعي في الصين، ومن هذه النوعية منصة «شاو هونج شو»، و«ليتل ريد بوك»، وهما يقدمان مزيجاً من منصات التواصل الاجتماعي والتجارة الإلكترونية معاً، ما يجعل من السهل على هذه الطالبة أن تكون من متابعي واحد من الشخصيات المؤثرة على شبكات التواصل في مجال الماكياج والتجميل، فتضع هذه الشخصية لمعجبيها كيفية تطبيق الماكياج من خلال عرض توضيحي أو لقطات فيديو سريعة.

وأثناء المشاهدة، يمكن أن تختار أربعة منتجات تجميل مختلفة، لتظهر روابط على الفيديو تقودها إلى منصات التجارة الإلكترونية التي تبيعها، لتنفذ عملية الشراء والدفع إلكترونياً. وهذه العملية باتت موجودة لدى معظم عمالقة التجارة الإلكترونية بالتجزئة في الصين، وفي مقدمتهم «علي بابا»، ومنصة «آي كييي» التي تعتبر أكبر خدمة للفيديو الحي في الصين، وإصدار الصين من «نيتفليكس» الأميركية، ومنصة «باي دانس» التي تشغل تطبيق الفيديو القصير «تيك توك».

وقال المدير العام لقسم التلفزيون الذكي في «آي كييي»، تشانج شياو بو، إن «جيل الشباب، لديه شغف كبير وفضول لاستكشاف شيء جديد، وهم يقودون الاتجاه نحو ترقية الاستهلاك أثناء التعايش مع وسائل التواصل، وهم مجموعة مستهلكين لا يمكننا تجاهلها، فعندما يشاهد مشتركو (آي كييي) المسلسلات التلفزيونية أو البرامج الأخرى على هواتفهم المحمولة أو حاسباتهم، تظهر روابط الويب في أسفل الشاشة. ويأخذهم هؤلاء إلى مركز الشركة على الإنترنت، حيث يمكنهم شراء الملابس والمنتجات التي يستخدمها المشاهير الذين يظهرون في العروض التلفزيونية».

وأضاف: «أطلقت (آي كييي)، في يناير الماضي، تقنية تشجع التسوق على الهاتف المحمول أثناء مشاهدة التلفزيون، حيث يمكن للمشاهدين الذين يحبون ما يرتديه الممثل الذي يشاهدونه، شراء العنصر مباشرة من هواتفهم».

ولا يبشر تدفق الأموال على «التجارة الاجتماعية» بالخير بالنسبة للماركات والعلامات التجارية الكبرى وتجار التجزئة التقليديين. وبحسب ما قاله كبير مسؤولي المبيعات والتسويق بمنصة «بارك ليور» الصينية للتسويق، إيليا وايلي، فإن عادات الشراء لدى أبناء «الجيل زد» يمكن أن تسبب ضرراً بالغاً للشركات الكبرى، التي لا تستطيع شراء النوع نفسه من الاهتمام والثقة.

- حجم «التجارة الاجتماعية» بالصين سيتضاعف 5 مرات ليصل إلى 413 مليار دولار بحلول 2022.

الأكثر مشاركة