بيل غيتس: قرار عدم إنتاج نظام تشغيل للهواتف على غرار «أندرويد» أكبر أخطائي
اعترف مؤسس «مايكروسوفت» ورئيسها التاريخي، بيل غيتس، في حوار صريح، أخيراً، بأن قراره عدم إنتاج نظام تشغيل للهواتف المحمولة على غرار نظام «أندرويد» مفتوح المصدر، الذي طرح من دون رسوم ترخيص، كان أكبر خطأ ارتكبه خلال حياته المهنية على الإطلاق، لأن هذا الخطأ حرم «مايكروسوفت» بعد ذلك ملياري مستخدم نشط، و400 مليار دولار، ووضعهم في يد شركة «غوغل» بعد ذلك، لتصبح على ما هي عليه الآن.
جاء ذلك في حوار بين بيل غيتس ومجموعة من رواد الأعمال والمستثمرين، ضمن لقاء نظمته شركة «فيلاج» إحدى الشركات المتخصصة في رأس المال الاستثماري المخاطر، وجرى بثه عبر «يوتيوب».
صناعة التقنية
تحدث بيل غيتس خلال الحوار في نقاط عدة، تتعلق بمستقبل صناعة التقنية، ومجالات الاستثمار فيها، وقدم نصائحه للحاضرين من شباب رواد الأعمال، في ما يتعلق بالقرارات الاستثمارية، وكيفية قراءة الواقع بصورة صحيحة، والاعتراف بالأخطاء والتعلم منها.
وقال غيتس إن «أكبر خطأ ارتكبته على الإطلاق هو عدم جعل (مايكروسوفت) تقوم ببناء وطرح نظام تشغيل للهواتف المحمولة، يصبح هو المنصة القياسية للهواتف، أي أن (مايكروسوفت) لم تكن (أندرويد)، وهذا بسبب سوء الادارة أو سوء التقدير الذي انخرطت فيه».
وأضاف أن «أي نظام تشغيل أو أي منصة برمجية غير تابعة لشركة (أبل)، من الطبيعي أن تفوز بها (مايكروسوفت)، وكان هذا ما يفترض أن يحدث مع منصة تشغيل الهواتف المحمولة، لكن ما حدث أن (أندرويد) صار هو المنصة القياسية، وليس شيئاً تابعاً لــ(مايكروسوفت)».
وتابع غيتس: «الفائز يأخذ كل شيء، وبات هناك مجال لنظام تشغيل واحد بخلاف نظام التشغيل المقدم من (أبل)، وما قيمة ذلك، قيمته أن هناك 400 مليار دولار كان من المفترض أن يتم تحويلها من شركة (جي) إلى شركة (إم) كما أن شراء شركة (نوكيا) لم ينجح».
وقصد غيتس بذلك، أنه لو قدم نظام تشغيل للهواتف المحمولة يقف أمام نظام تشغيل «آي أو إس» من «أبل»، لكانت «مايكروسوفت» قد حصلت على 400 مليار دولار خلال السنوات العشر التالية لظهور «أندرويد»، بدلاً من ذهاب هذه الأموال إلى شركة «غوغل»، ومعها مليارا مستخدم نشط شهرياً، وهو رقم يعادل نحو ضعف مستخدمي نظم تشغيل «ويندوز»، فضلاً عن 90% من تطبيقات الهواتف المحمولة، التي باتت موجودة الآن في متجر تطبيقات «أندرويد».
الاحتكار والرسوم
وخلال اعترافه الصريح بتحمله هذا الخطأ، أشار غيتس، إلى بعض الملابسات التي لعبت دوراً في إحجام «مايكروسوفت» عن تقديم بديل «أندرويد»، من بينها قضايا مكافحة الاحتكار التي واجهت «مايكروسوفت» بنهاية التسعينات من القرن الماضي، بسبب تعاملها مع «ويندوز» واكتساحه الأسواق بصورة عدوانية، وهي مقولات كادت «مايكروسوفت» تتعرض بسببها للتقسيم إلى أكثر من شركة، فضلاً عن اعتماد «مايكروسوفت» على نموذج الطرح برسوم التراخيص، أي تقديم برمجياتها مقابل رسوم تراخيص تحصل عليها من المشترين، وهو أمر كان سيرفع من أسعار الهواتف المحمولة. وحاول جيتس الدفاع عن نفسه قائلاً: «ظروف مكافحة الاحتكار التي واجهتنا من قبل مشابهة لتلك التي تواجهها (غوغل) نفسها اليوم».
وتابع: «ومع ذلك فإنه من المدهش بالنسبة لي الآن أنني ارتكبت واحداً من أكبر الأخطاء في كل العصور، فقد كانت هناك دعوى ضد الاحتكار، وكما تعلمون لاتزال أصولنا الأخرى، مثل (ويندوز) و(أوفيس)، قوية للغاية، لذلك نحن شركة رائدة، إذا كنا قد حصلنا على هذا الحق فسنكون كذلك الشركة الرائدة».
جدل وتساؤلات
أثار حوار بيل غيتس واعترافاته جدلاً بين المحللين الذين طرح بعضهم تساؤلاً حول ما إذا كانت «مايكروسوفت» قادرة في ذلك الوقت فعلاً على تقديم نظام تشغيل قياسي بدلاً من «أندرويد».
وفي هذا السياق، كتب المحلل بشبكة «زد دي نت» zdnet.com المتخصصة في التقنية، ستيف رانجر، تحليلاً ذكر فيه أن بيل غيتس لا شك مشارك في تحمل مسؤولية هذا الخطأ، لكن من ناحية أخرى لم يكن القرار مجرد تعليمات يصدرها مؤسس الشركة وقائدها، فنظام «مايكروسوفت» الإداري ونموذجها في العمل وتصوراتها لتوجهات الصناعة في ذلك الوقت، لم تكن تسمح بسهولة بالمضي قدماً في قرار من هذا النوع.
وأضاف رانجر، أن الأمر ليس كما لو أن «مايكروسوفت» لا تريد اقتحام سوق الهواتف الذكية، فقبل وقت طويل من وصول «أندرويد» و«آي أو إس» من «أبل»، كانت قد قضت سنوات في العمل على أجهزة محمولة مختلفة، مثل أجهزة المساعدات الرقمية الشخصية «بي دي إيه»، لكن عدم تمكنها من إنشاء شيء مثل «أندرويد»، و«آي أو إس» كان إلى حد كبير بسبب أنها لفترة طويلة جداً كانت ترى الهواتف الذكية أكثر قليلاً من الإصدارات المصغرة لسطح المكتب القياسي، وليست عالماً مستقلاً قائماً بذاته، وكل نظمها وخططها تمضي في هذا الاتجاه، ولم يكن من السهل عليها تغيير هذه الرؤية العامة في العمل. وتابع: «بالنسبة لشركة مكرسة للغاية على الحاسبات الشخصية المكتبية والمحمولة، ليس هذا مفاجئاً على الإطلاق، لأن فكرة وجود واجهة مستخدم جديدة مستقلة تماماً، وتعتمد على اللمس وطريقة جديدة لاستخدام التطبيقات لابد أن تحدث صراعاً داخلياً كبيراً، ولعل أكبر ما تجسدت فيه هذه الأزمة أنه بوصول (آي أو إس) مع (آي فون)، كان لدي (آي أو إس) 500 تطبيق فقط، مقابل 18 ألف تطبيق لنظام تشغيل (ويندوز موبايل)، ومع ذلك حقق نظام (أندرويد)، و(آي أو إس) تفوقاً كاسحاً على (ويندوز موبايل)، لأن إنجازهما الحقيقي تمثل في أن متجر التطبيقات جاء مندمجا كليا فيهما، ما جعل التنزيلات أسهل، وهو أمر لم يتوافر لـ(ويندوز موبايل)، المستند لفكرة أن عالم المحمول فرع للنظم المكتبية وليس كياناً قائماً بذاته».
البرمجيات مفتوحة المصدر
كتب المحلل بشبكة «زد دي نت» zdnet.com المتخصصة في التقنية، ستيف رانجر، أن من الأسباب الجوهرية الأخرى التي منعت «مايكروسوفت» من تقديم شيء مثل «أندرويد»، أن الشركة في ذلك التوقيت كانت تناهض وتناقض التوجه الخاص بالبرمجيات المفتوحة المصدر، القائمة على فكرة المجانية، وتدير جميع أعمالها وفق نموذج البرمجيات المغلقة المصدر، القائمة على الاستخدام مقابل رسوم التراخيص، ولم يكن بمقدور الشركة في ذلك الوقت إجراء تغيير جذري في مفاهيمها وتقديم نظام تشغيل مفتوح المصدر ومجاني للمستخدمين. ولم تستطع الشركة القبول بهذا التحول العميق إلا في وقت كان قد ظهر فيه «أندرويد» المفتوح المصدر والمتاح مجاناً للمستخدمين، وتمكنه من اكتساح الساحة للأبد.