الهواتف المحمولة والإعلام الاجتماعي في مواجهة الكوارث
لا يمكن للتقنيات الحديثة منع حدوث الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والأعاصير والفيضانات، لكن يمكن لبعضها، مثل الرسائل النصية للهواتف المحمولة، الإسهام بنصيب كبير في عمليات الإغاثة؛ لتخفف من الآثار المدمرة للكوارث، وتساعد على إنقاذ حياة آلاف الأشخاص، ويمكن القول إن الوصول إلى المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب وتوافر شبكات الاتصالات، من بين العوامل الحاسمة في عمليات الإنقاذ.
واعتبر «التقرير العالمي للكوارث»، الذي صدر أخيراً عن «الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، أن التقنيات الحديثة والاستخدام الواسع للهواتف المحمولة ومواقع الإعلام الاجتماعي، تعزز من قدرة المجتمعات المتضررة من الكوارث على مساعدة نفسها.
لكن الواقع أن كثيراً من الأشخاص حول العالم، لا يتمكنون من الوصول إلى التكنولوجيا، وتتضح الفجوة الرقمية في بعض من أكثر بلدان العالم عرضة لخطر الكوارث.
وبحسب التقرير، فخلال الساعات الأولى الحاسمة التي تعقب إحدى الكوارث، تقع مسؤولية إنقاذ معظم الضحايا على عاتق السكان المحليين الذين يفتقر جزء كبير منهم إلى الأدوات والمعلومات الضرورية في عملية الإنقاذ، مثل أنظمة التحذير المبكر والبنية التحتية للاتصالات، الأمر الذي يشير إلى خطورة نقص التكنولوجيا الذي يُضاعف من الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، ما يُعرقل كثيراً من جهود التنمية ومحاربة الفقر؛ ولذلك حث التقرير القطاع الخاص والمنظمات الإنسانية والحكومات والمجتمعات المحلية على العمل سوياً؛ لتوفير التكنولوجيا للمجتمعات الفقيرة.
وفي الوقت نفسه، حذر التقرير، الذي يصدر للعام الـ21، من خطورة اكتفاء وكالات الإغاثة الإنسانية بالتقنيات الحديثة، مصدراً للمعلومات عن احتياجات المجتمعات المتضررة من الكوارث؛ إذ إنها بذلك تخاطر بالاستماع فقط إلى من تتوافر لديهم سبل الاتصالات، وتتجاهل الآخرين.
وبحسب التقرير، فإن أكثر التقنيات تطوراً لا يمكنها أن تكون بديلاً عن اللمسة الإنسانية اللازمة للوصول للفئات الأكثر ضعفاً أثناء الكوارث.
وأكد التقرير أن العام الماضي كان واحداً من أقل الأعوام في عدد الأحداث الكارثية خلال هذا العقد، كما شهد العدد الأقل من الوفيات والأشخاص المتضررين من الكوارث، وقلت الوفيات بنسبة 90% عن المتوسط السائد خلال السنوات الـ10 الماضية، على الرغم من أن المناطق الريفية الأشد فقراً تضررت بشدة.
وبشكل عام، تسببت 552 كارثة طبيعية وصناعية خلال عام 2012 في مقتل نحو 15 ألف شخص، كما ألحقت الضرر بنحو 139 مليون شخص.
وفي ما يتعلق بالخسائر المادية، حل عام 2012 في المركز الخامس من بين أكثر الأعوام كلفة خلال العقد الماضي، وتسبب في خسائر تقترب من 158 مليار دولار، كان أكثرها كلفة إعصار «ساندي» الذي أصاب أجزاء من الولايات المتحدة ودول «الكاريبي».
وركز التقرير الذي جاء بعنوان «التركيز على التكنولوجيا ومستقبل العمل الإنساني»، على إمكانات وحدود استخدام التكنولوجيا في الإغاثة، وحفل بالأمثلة على دورها في التخفيف من حدة الكوارث.
وأشاد بدور انتشار استخدام موقع «تويتر» والرسائل النصية القصيرة في جهود الإغاثة في الفليبين، بعد إعصار «بوفا» الذي أصاب الأجزاء الجنوبية من البلاد في ديسمبر 2012، وخلف نحو 1900 قتيل.
وذكر الأمين العام للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، بيكلي جيليتا، في بيان، أنه «تم إنقاذ حياة آلاف الأشخاص؛ بفضل توافر الهواتف المحمولة لدى نسبة 99% من السكان، ما مكنهم من استقبال تحذيرات مبكرة وإرشادات للحفاظ على سلامتهم».
كما تطرق التقرير إلى نموذج لاستخدام الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعي في الإغاثة، من خلال تجربة الطبيب السوري المقيم في الولايات المتحدة، زاهر سحلول، من «الجمعية الطبية السورية الأميركية»، إذ استخدم الشبكات الاجتماعية لتنظيم عملية جمع التبرعات والمساعدات الطبية من السوريين المقيمين في الخارج، كما نشر مقاطع فيديو باللغة العربية على موقع «يوتيوب» لإرشاد المسعفين والأطباء داخل سورية.
وتحدث المدير التنفيذي للمعلومات في الاتحاد الدولي، إد هاب، لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية، عما وصفه بالأمثلة الرائعة على تضافر أفكار خبراء التقنية والمساعدات الإنسانية، مشيراً إلى تطوير الاتحاد بالتعاون مع شركة «تريلوجي» للاتصالات السلكية واللاسلكية، نظام «تيرا» للرسائل النصية القصيرة للتواصل بين المتضررين من الكوارث ومنظمات الإغاثة.
وبحسب هاب، نجح نظام «تيرا» في إيصال تحذيرات مبكرة ونصائح للوقاية من الأمراض لثلاثة ملايين شخص في هايتي.
وفي نموذج آخر على استخدام المنظمات الإنسانية للتقنية، أنشأ «الصليب الأحمر الأميركي» مركزاً للعمليات الرقمية باسم «ديجي دوك» يتتبع المنشورات في الشبكات الاجتماعية الصادرة من المناطق المتضررة من الكوارث، ويستفيد منها في اتخاذ القرارات الملائمة.
وأسهم انتشار الرسائل النصية القصيرة، في إنقاذ حياة كثير من الأشخاص في الهند، بعد إعصار «فايلين» الذي أصاب ولاية «أوديشا» على الساحل الشمالي الشرقي، فبينما تسبب الإعصار، يحمل الاسم نفسه، في مقتل 10 آلاف شخص عام 1999، وصل عدد ضحاياه هذا العام إلى 27 شخصاً فقط.
لكن هذه الأمثلة الدالة على إمكانات التقنية في عمليات الإغاثة الإنسانية، لا ينبغي أن تغفل الفجوة الرقمية الكبيرة؛ فالتفاوت في أعداد الهواتف المحمولة واستخدام الإنترنت يعني ــ ولو جزئياً ــ الحرمان من الوصول المباشر إلى المعلومات، ففي حين تستخدم نسبة 6% من السكان في الدول النامية الإنترنت، تصل النسبة إلى 76% في البلدان ذات الدخول المرتفعة، كما تفوق اشتراكات الهواتف المحمولة أعداد السكان في أوروبا، بينما تتوافر لدى 54% فقط من سكان إفريقيا.
وتشير دراسات إلى أن كثيراً من الأشخاص حول العالم محرومون من الوصول إلى التكنولوجيا نظراً للفروق في الدخول، إضافة إلى عدم تكافؤ الفرص بين الجنسين.
وفي ذلك، أشار «التقرير العالمي للكوارث» إلى جمهورية إفريقيا الوسطى مثالاً؛ إذ تعتمد 47% من النساء اللاتي يعشن في العاصمة، بانجي، على غيرهن للحصول على جميع أنواع المعلومات مقارنة مع نسبة 30% من الرجال.
وقدر «معهد التنمية لما وراء البحار»، الذي يتخذ من بريطانيا مقراً، أنه بحلول عام 2030، سيعيش نحو ثلث مليار شخص ممن يعانون الفقر المدقع في البلدان الأكثر تعرضاً للمخاطر الطبيعية، وسيواجه 118 مليون شخص في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التغيرات المناخية الشديدة.
ولفت رئيس قسم التغير المناخي في المعهد وأحد معدي التقرير، توم ميتشل، إلى دور الكوارث الطبيعية في ترسيخ الفقر وإعاقة جهود محاربته، مشيراً إلى أنها لا تُنهي الحياة فحسب، بل تدمر أيضاً المتاجر والطرق والمنازل والمستشفيات.