«سناب شات».. يحوّل الإنترنت إلى شبكة خاصة
خلال الأشهر القليلة الماضية، تكرر الحديث عن تطبيق «سناب شات» الذي يُتيح لمستخدميه إرسال صور ومقاطع فيديو ونصوص تُحذف في غضون 10 ثوانٍ من فتح المستقبِل لها، وتركز الحديث أحياناً عن تصاعد عدد الصور التي يتبادلها مستخدمو التطبيق، إذ تجاوز عددها 350 مليون صورة يومياً، وفي أحيان تناول الحديث حصول الشركة الناشئة على تمويلات بلغت حالياً 94 مليون دولار (345 مليون درهم)، ورفضها عروض استحواذ ضخمة، منها عرض من شركة «فيس بوك» بقيمة ثلاثة مليارات دولار (11 مليار درهم).
وباختلاف التناول، تبقى فكرة تطبيق «سناب شات» والإقبال على استخدامه، خصوصاً من قبل المراهقين والشباب، مثيرة للتأمل؛ ففكرة البيانات التي يجري محوها بسرعة تختلف عن المألوف في عالم الإنترنت من الاحتفاظ بالبيانات وقابليتها للبحث، كما قد يرى البعض أن ميزته الأساسية توفيره مساحة بعيدة عن الرقابة الذاتية التي يفرضها مستخدمو الإنترنت على أنفسهم، إذ إن عدداً غير قليل من الشباب ينظر إلى الإنترنت الحالي بوصفه مكاناً يعج بمراقبة الكبار، ويتطلب حساباً دقيقاً قبل أي منشور يمكن أن يتسبب بعد سنوات في أضرار شخصية وعملية.
ومع كل ذلك، لايزال تطبيق «سناب شات» للهواتف الذكية في مهده، ولايزال مثل غيره من الخدمات الجديدة عرضة للفشل أو النجاح بنسب متقاربة، لكن أياً كان مصيره بعد سنوات، فقد لفت الانتباه لبحث مستخدمي الإنترنت عن طريقة جديدة للتعامل مع البيانات، وربما يكون «سناب شات» الخدمة الأولى التي تُظهر أنه لا حاجة لبقاء النصوص والصور على الإنترنت إلى الأبد، ما يعني بحسب تعبير «فرهارد مانجو» في مقاله المنشور بصحيفة «ذا وول ستريت جورنال» الأميركية: أنه «يمكن لمفهوم إزالة جميع الروائح الرقمية المُنبعثة من هواتفنا وأجهزة الكمبيوتر، أن يحظى بالشعبية مثل مفهوم الاحتفاظ بها».
وفي حال ازدهر نموذج «سناب شات» والمواقع والخدمات التي ستتبع المنهج نفسه، وتروج لخيار الحذف النهائي، باعتباره ميزة تنافسية، سيواجه مستخدمو الإنترنت شبكة تختلف عن الإنترنت المعروف حالياً، وسيتحول أكثر ليكون شبكة خاصة، لا يُعاني مستخدموها القلق المستمر من أي صورة ينشرونها من دون تفكير، أو يقلقون من التحول بين عشية وضحاها إلى موضع سخرية العالم بعد ظهورهم في فيديو يتناقله الملايين. وفي الوقت نفسه، قد تكون الإنترنت حينها أقل فائدة؛ إذ لا يمكن البحث فيها عن صور قديمة تحمل ذكريات الماضي، كما لن تتمكن أجهزة الكمبيوتر ومواقع الإنترنت من تقديم الاقتراحات للمستخدمين، نظراً لأنها لا تحتفظ بتاريخ تصفحهم وسجل تفضيلاتهم. وقد تبدو المقارنة بين الإنترنت الأبدي الحالي الذي يحتفظ بالكثير، والآخر الذي يتيح محو محتوياته، هي مقارنة بين شبكة إنترنت من بناء شركتي «غوغل» و«فيس بوك»، وأخرى تحمل توقيع «سناب شات»؛ فقبله لم يكن الحذف والمسح خياراً متاحاً لهذه الدرجة، بينما حالياً يُسارع مستخدمون ومستثمرون ومهندسون لتطوير تطبيقات تعتمد الفكرة ذاتها.
وفي الوقت نفسه، لا ينبغي إغفال أن الصور والرسائل التي يتبادلها مستخدمو «سناب شات» ليست سريعة الزوال على الدوام؛ فمن الممكن اختراق التطبيق لحفظ الصور قبل محوها، كما يمكن للجهات المسؤولة عن تنفيذ القانون أن تجبر الشركة على إظهار صور مُخزنة في خوادمها، مع تأكيد «سناب شات» بشكل حاسم على محو جميع الصور والفيديو من خوادمها بمجرد اطلاع المستقبل عليها، أو خلال 30 يوماً إذا لم يفتحها. ومع ذلك، تُعد فكرة الحذف باعتبارها الأصل في طبيعة عمل التطبيق، أمراً جديداً تماماً على شركات التكنولوجيا التي تعتبر البيانات حرماً مصوناً، ولا تنظر إليها بأي شكل على أنها زائدة على الحاجة، وعلى سبيل المثال غاب زر الحذف عن خدمة البريد الإلكتروني «جي ميل» التابعة لشركة «غوغل» خلال أول عامين من عمرها، واعتقدت الشركة أن الجميع سيرغب في الاحتفاظ برسائله إلى الأبد. كما مضت سنوات قبل أن تُعلن «فيس بوك» في عام 2012 عن حذفها للصور من خوادمها، حين يختار المستخدم حذفها خلال 30 يوماً.
كما يقوم مجال «البيانات الكبيرة» على افتراض أنه كلما توافر المزيد من البيانات، صار المنتج أفضل؛ نظراً إلى أن تحليل قدر كبير من بيانات المستخدم يقود إلى فهم أعمق. إضافة إلى ذلك، تقوم بعض المنتجات التقنية على تخزين شركات التكنولوجيا لبيانات المستخدمين، وحفظها وتحليلها، ومنها المدقق الإملائي في «غوغل»، وخدمة الترجمة، وخرائط المرور، واقتراحات البحث أو الإكمال التلقائي، والتغذية الإخبارية الرئيسة «نيوز فيد» التي يُقدمها موقع «فيس بوك» بحسب تفضيلات واهتمامات كل شخص، وأيضاً ترشيح أصدقاء مناسبين.
وكذلك البيانات التي تجمعها المواقع، وتسمح بتوجيه إعلانات للمستخدمين بناءً على نمط تصفحهم وما تتوقعه من اهتماماتهم، وتعتمد عليها المواقع المجانية للاستمرار، ومن دون حفظ وتحليل البيانات، سيكون من الصعب تخيل كيفية تحقيق شركات الإنترنت الكبرى مثل «غوغل» و«فيس بوك» لعائداتها المعتمدة على الإعلانات.
لكن هذه الفوائد يقابلها العديد من الأضرار، فبالنسبة للمستخدمين تُمثل بياناتهم الشخصية المُخزنة في خوادم الشركات الكبرى، التي لا يملكون أي وسيلة للتحكم فيها، منجماً من الذهب الخالص لوكالات التجسس والاستخبارات مثل «وكالة الأمن القومي» الأميركية، والقراصنة، وأشخاص يسعون للإضرار بالمستخدم لأي سبب.
كما يمكن أن تتسبب هذه البيانات في مشكلات للمستخدم مع أصحاب العمل المحتملين ومسؤولي القبول في الجامعات، وقد يتعرض للتمييز ضده، فضلاً عن مشكلات محتملة مع معارف جدد، فكثير منهم يبنون أحكامهم بسرعة واعتماداً على تغريدة أو صورة كُتبت في سياق مختلف، وبسرعة، ومن دون تفكير مُسبق.
وتعلم كثيرون، بعد ثمن باهظ، مراقبة أنفسهم قبل كل كلمة وصورة لدرجة حولت صفحاتهم الشخصية إلى مسخ لا يُشبه شخصياتهم الحقيقية، وحد من قدرتهم على التعبير التلقائي عن الذات. وتتعدد الخيارات، فمن ناحية يفضل البعض مواجهة هذه الأعباء مع الاحتفاظ بسجلاتهم على الإنترنت؛ ليتمكنوا من العودة بعد سنوات لصور عائلية ورسائل بريدية تحمل ذكريات مميزة، في مقابل من يستمتع ببعض الحرية التي يوفرها «سناب شات» والخدمات المماثلة، ونموذج ثالث يرى أنه مع نمو «سناب شات» سينشأ إنترنت يُتيح حذف البيانات جنباً إلى جنب آخر يحتفظ بها، وهو ما يُتيح لكثيرين أن يختاروا مرة تطبيقات تحتفظ ببياناتهم، وأخرى تحذفها فورياً بحسب طبيعة الموقف.