جهود علمية لتشفير المُكالمات الهاتفية والرسائل النصية والملفات المُرفقة
الهواتف الآمنة.. طريقة جديدة لحماية الخصوصية
تسرب في عام 2013 الكثير من التقارير التي بينت قدرات الجهات الحكومية حول العالم، على التجسس على مُستخدمي التقنيات الحديثة بمُختلف أنواعها، وكان ذلك جلياً في التقارير التي كشف عنها المُتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركية، إدوارد سنودن، التي بينت قيام الوكالة بالتجسس وجمع بيانات مُستخدمي الإنترنت والهواتف المحمولة.
ولا تُعد الجهات الحكومية الوحيدة القادرة على جمع بيانات المُستخدمين، إذ يستطيع مديرو المواقع والمعلنون تتبع تحركات المُستخدمين، كما تجمع بعض تطبيقات الهواتف الذكية بيانات ضخمة عن المُستخدم، مثل موقعه الجُغرافي ومواقع الإنترنت التي زارها، وجهات الاتصال المُخزنة لديه.
ويعمل عالم التشفير والمؤسس لشركة «سايلنت سيركل» Silent Circle، فيل زِمرمان، على تطوير تقنيات لتشفير المُكالمات الهاتفية والرسائل النصية وحتى الملفات المُرفقة. وستقوم تقنية الشركة بإرسال مُكالمات المُستخدمين إلى خوادم الشركة لتشفيرها، ومن ثم فك تشفيرها في هواتف المُستخدمين.
وتمنع تقنية «سايلنت سيركل» الجهات الحكومية أو المالكة لشبكات الاتصالات، بمعرفة الأرقام التي يتصل بها المُستخدمون، وهو ما يُعد ميزة جذابة للمُستخدمين في البلاد التي تشهد اضطرابات سياسية، مثل أوكرانيا، إذ بين «زِمرمان» أن تقنيات شركته ستصل قريباً لخدمة مُنظِمي الاحتجاجات في قلب العاصمة الأوكرانية، كييف.
وسيبدأ «زِمرمان»، اعتباراً من الصيف المقبل، طرح هاتفه الذكي فائق الأمان، الذي يُدعى «بلاك فون» Blackphone، الذي يتُم إنتاجه حالياً مدعوماً بأدوات تشفير خاصة بـSilent Circle، وغيرها من أدوات حماية الخصوصية.
ويعمل الهاتف «بلاك فون» بإصدار خاص من نظام تشغيل «أندرويد»، هو PrivatOS، الذي يتميز بإمكانات لحجب جميع الطُرُق التي يُمكن استغلالها لتسريب نشاطات مُستخدمي «بلاك فون».
يُشار إلى أن مثل هذه الهواتف، التي تتميز بخصوصية عالية، يتم استخدامها عادة من قبل القادة العسكريين والحكوميين في بعض البلاد، ويُعد طرحها للمُستخدم العادي نقلة نوعية في مجال الأمن وحماية الخُصوصية.
ويُعد «بلاك فون» الذي سيباع بسعر 629 دولاراً (2310 دراهم) مُتضمناً الاشتراك في خدمات حماية الخصوصية، جُزءاً من جهود عدة بعد تسريبات «سنودن»، إذ يعمل آخرون مثل عالم الكمبيوتر لدى معهد «ترينتي» Trinity في دبلن، ستيفن فاريل، على مشروع أوسع، الهدف منه تشفير جميع الاتصالات عبر الإنترنت.
ويُعد «بلاك فون» نتاجاً لامتزاج التقنيات وتعاون أكثر من جهة، إذ ستزود «سايلنت سيركل» الهاتف بخدمات لتشفير المكالمات الصوتية والرسائل النصية، في حين ستتم صناعة الهاتف الذكي من قبل شركة «جيكس فون» Geeksphone، وهي شركة إسبانية مُتخصصة في صناعة الهواتف التي تعمل بأنظمة التشغيل مفتوحة المصدر.
وجاء نظام PrivatOS نتيجة للتعاون والتنسيق بين الشركتين، إذ يجلب قدرة عالية للتحكم بالبيانات التي سيتم كشفها لتطبيقات الهاتف، كما يشفّر البيانات المُخزنة في الهاتف، ويسمح بالحصول على التحديثات الأمنية من قبل الشركة مُباشرةً، ويتميز بقدرات لمنع بعض المواقع والشركات بمعرفة المواقع التي يتصفحها المُستخدم والأشياء التي يبحث عنها على الإنترنت.
وترغب شركات اتصالات ببيع هاتف «بلاك فون»، متل شركة الاتصالات الهولندية، التي تتوافر خدماتها في ألمانيا وبلجيكا، كما تُجري الشركة مُحادثات مع شركات اتصالات أُخرى راغبة في الحصول على هذه التقنية التي ستجلب معها جهازاً فريداً لم يفكر أحد من قبل بطرحه في الأسواق، على حد تعبير مؤسس شركة «جيكس فون»، خافيير آغويرا.
ويتميز الهاتف «بلاك فون»، حسب رئيس فريق تصميم الهاتف، مايك كيرشاو، بتقنيات عدة، إذ صمم «كيرشاو» برنامجاً يسمح للهاتف بالتقاط شبكات الاتصال اللاسلكية «واي فاي» المحصورة في مناطق جُغرافية مُحددة، ويستطيع المُستخدم بذلك السماح لهاتفه بالتقاط شبكات الإنترنت الموثوقة فقط، أي في منزله أو مكان عمله.
يُذكر أن الشركة استعرضت نُسخة أولية من هاتفها «بلاك فون» خلال فعاليات «مؤتمر الجوال العالمي» التي جرت، في فبراير الماضي، بمدينة برشلونة الإسبانية، إذ وصف «زمرمان» شركته في حينها بأنها ليست شركة هواتف تُزود مُنتجاتها بميزات أمنية، بل شركة أمنية تبيع الهواتف، على حد تعبيره.
ويرفض العديد من الخبراء الأمنيين إصدار أحكامهم على الهاتف «بلاك فون» قبل أن يتم طرحه في يونيو المُقبل، لاختباره من قبلهم، لكن تقنيات التشفير الخاصة بالجهاز والمطورة من قبل الشركة حظيت بإعجاب العديد من الخبراء، مثل عالم التشفير، بروس شناير، الذي أبدى إعجابه الشديد بالحلول التي تقدمها «سيلنت سيركل».
من جهته، وصف عالم الكمبيوتر لدى جامعة ولاية نورث كارولاينا، إكسوكسيان جيانغ، هاتف «بلاك فون» بأنه يُقدم حلولاً أمنية مُتميزة، لكنه أشار إلى أن الهاتف لا يوفر حماية لخدمة البريد الإلكتروني الخاصة بالمُستخدم، ما لم تكن الشركة القائمة عليها تعتمد على تقنيات تشفير على غرار تقنية PGP.
وأشار «زِمرمان» إلى أن شركته تلقت مئات الطلبات للحصول على هاتفها، وتتوقع الشركة أن تبيع ملايين النُسخ منه خلال العامين المقبلين.