الهواتف المحمولة تُسهم في تحسين خدمات المياه والكهرباء في إفريقيا

تتجه بعض الاقتصادات النامية، خصوصاً في قارة إفريقيا، لتجاوز تقنيات الحوسبة التقليدية، والانتقال مباشرةً إلى الهواتف المحمولة، باعتبارها وسيلة أسهل للاتصال بالإنترنت، كما تتنامى أهمية دور الهواتف المحمولة في خدمات تحويل الأموال، الأمر الذي يمتد أثره إلى تطوير الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

وفي كينيا، يمزج مشروع «إم ـــ كوبا سولار» بين تقنيات الطاقة الشمسية والدفع بواسطة الهواتف المحمولة، ويوفر مولدات تعمل بالطاقة الشمسية، خصوصاً للمناطق النائية التي لا تتصل بشبكات كهرباء، كما يتيح للمستهلكين الدفع عبر هواتفهم، بحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي».

الحد من الفساد وتحسين الإيرادات

أشارت تقديرات للبنك الدولي، إلى أن تحصيل الفواتير والمدفوعات غير الفاعلة، يكلف قطاع المياه في إفريقيا 500 مليون دولار سنوياً. وترى دراسات أن تيسير عمليات الدفع، يمكن أن يُسهم في الحدّ من الفساد، وتحسين الإيرادت، إضافة إلى جمع البيانات عن المستهليكن، ما يتيح لشركات المياه زيادة الاستثمار في خدماتها وتشغيلها على نحوٍ أكثر كفاءة.

ويُمثل ذلك حلاً لكثير من السكان، يُغنيهم عن استعمال المولدات المعتمدة على الـ«كيروسين»، وما يترتب عليه من مشكلات، ومنها تلويث البيئة، والرائحة غير الجيدة، فضلاً عن مخاطر استخدامه.

وبحسب شركة «إم ـــ كوبا»، فقد سجل حتى الآن ما يزيد على 70 ألف منزل في مشروع «إم ـــ كوبا»، فيما ينضم 1000 منزل جديد كل أسبوع، كما تنتشر الفكرة في أوغندا، وتأمل الشركة أن تصل إلى مليون مشترك بحلول عام 2018.

ويتضمن النموذج المحلي خلايا ضوئية شمسية، ومصابيح، ومنفذ لشحن الهاتف المحمول، فضلاً عن إمكانية إضافة راديو قابل لإعادة الشحن. وتدفع الأسر المشتركة عبر منصة «إم ـــ بيسا» لتحويل الأموال عبر الهواتف، التي أنشئت بالتعاون بين شركتيّ الاتصالات «فودافون» و«سفاريكوم».

ويتعين على كل أسرة دفع 2999 شلناً كينياً مقدماً (34 دولاراً)، إضافة إلى دفع 50 شلناً يومياً لمدة عام (نصف دولار) حتى امتلاكهم للمولد. ويُمكن ملاحظة الفارق الكبير مقارنةً بمبلغ 17 ألف شلن كيني (193 دولاراً) تُنفقها الأسرة نظير استخدام الـ«كيروسين»، وفق رئيس شركة «سفاريكوم»، بوب كوليمور.

وتتضمن الألواح الشمسية بطاقة SIM أو «وحدة تعريف المشترك»، يُمكنها الاتصال مع مركز التحكم لشركة «إم ـــ كوبا».

وقال المؤسس المشارك الذي يقود فريق «فودافون» المسؤول عن «إم ـــ بيسا»، نيك هيوز، إن «نظام الطاقة الشمسية الخاص بكل مستهللك يتصل بشبكة (إم ـــ كوبا)، ما يسمح لنا بمراقبة أدائه، واستكشاف المشكلات، وكذلك التحكم في حالته التشغيلية».

وأشار «هيوز» إلى إمكانية إيقاف النظام عن بعد، حال توقف المستهلك عن الدفع، وإعادة تفعيله حين استئناف الدفع. وبحسب الشركة، يبلغ معدل التخلف عن الدفع 5% فقط.

ويُمكن للمستهلكين دفع الاشتراكات والفواتير عبر منصة «إم ـــ بيسا»، من خلال إرسال رسالة نصية قصيرة للمستلم تُحدد المبلغ، ومن ثم يُمكن لمستقبل الرسالة، الحصول على المال عبر وكلاء لخدمة «إم ـــ بيسا». وتعني كلمة «بيسا» المال باللغة السواحيلية، ويُشير حرف «م» إلى «متنقل».

واعتبر هيوز نظام «إم ـــ بيسا» مثالاً بارزاً على دور التكنولوجيا في حل المشكلات، وفي هذه الحالة كانت المشكلة كيفية تحويل المال عبر مسافة بعيدة بسرعة وأمان وبطريقة ميسورة. وأضاف: «اليوم بلغ (إم ـــ بيسا) سبع سنوات، ويُجري مئات المعاملات في الثانية. لقد غير من الطريقة التي ينتقل بها المال في كينيا».

ويُعتقد أن نحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي في كينيا يتدفق عبر منصة «إم ـــ بيسا»، ما يُشير إلى الأهمية المتنامية لتقنيات الهواتف المحمولة.

ووفقاً لهيئة «جي إس إم أيه» المعنية بمجال المحمول، يتجاوز حالياً عدد مشتركي الهواتف المحمولة في جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا 250 مليون شخص، ومن المتوقع أن يرتفع عددهم إلى نحو 350 مليون شخص بحلول عام 2017.

وعلى الرغم من انتشار الهواتف الثابتة في المنازل على نطاقٍ ضيق يبلغ 5%، فإن جميع المنازل تقريباً تتمتع بإمكانية الوصول إلى الهواتف المحمولة الأساسية.

ووفقاً لشركة «سفاريكوم» للاتصالات، تتزايد شعبية الهواتف الذكية، إذ استحوذت على نسبة 67% من مبيعات الهواتف المحمولة في كينيا بين عاميّ 2013 و2014، كما يجري شراء 100 ألف هاتف شهرياً.

من جانبه، رأى هيوز أن ثورة المحمول تُفسح المجال لتقديم تقنيات جديدة، وقال: «ربما يكون الفارق الأكبر في إفريقيا، الذي أجده مثيراً للاهتمام للغاية، هو فرصة تطوير خدمات مبتكرة دون التعامل مع جمود النظم الموروثة».

وفضلاً عن المساعدة على إتاحة الاشتراكات في إمدادات الطاقة، تساعد الهواتف المحمولة في توفير إمدادات أفضل وأكثر استدامة للمياه في إفريقيا، والتغلب على المشكلات القائمة ومنها الأعطال، وتُشير تقديرات إلى أن ثلث المضخات اليدوية في إفريقيا لا تعمل حتى لمرة واحدة.

وتدعم مبادرة «المياه المحمولة من أجل التنمية»، التابعة لجامعة «أوكسفورد» البريطانية، عدداً من الدراسات الهادفة إلى تحسين إمكانية الحصول على المياه في المناطق النائية بمساعدة تقنيات المحمول، ومنها دراسة لمدة عام عن «المضخات اليدوية الذكية»، وهي مضخات مياه مزوّدة بتقنية محمول يمكنها نقل إفادات عن حالتها ونمط تشغيلها.

ويُمكن للبيانات التي تجمعها المضخات الذكية الكشف عن أنماط الاستخدام وتنبيه شركات المياه في حالة عطل إحدى المضخات، ما يسمح للشركة بإرسال مهندسين بسرعة لإصلاح المضخات قبل أن يضطر القرويون للجوء إلى مصدر غير نظيف للحصول على المياه.

وفي مثال آخر، تعاونت شركة للمياه في مدينة دار السلام في تنزانيا مع شركتي «فوداكوم» و«زين» للاتصالات عام 2009 ضمن مشروع أطلق عليه في ما بعد «إيرتل موني»، واستهدف توفير إمكانية الدفع عبر المحمول مقابل المياه.

ومنذ ذلك الحين، ازدهرت خدمات الدفع بواسطة الهواتف المحمولة في جنوب الصحراء، بالتزامن مع استخدام شركات المياه لهذه الخدمات، من بينها «إم ـــ بيسا»، و«إيرتل موني»، و«إم تي إن موني».

ويعد إسهام تقنيات المحمول في توفير خدمات المياه أمراً بالغ الأهمية لقارة إفريقيا، إذ لايزال الوصول إلى مصدر موثوق للمياه النظيفة يمثل صعوبة كبيرة لكثير من بلدانها، ما يضع آمالاً عريضة على تقنيات المحمول لتحسين حياة سكان القارة السمراء.

الأكثر مشاركة