«أد ليكس».. تقنية جديــدة لإرسال المعلومات عبر الإنترنت بـطريقة سرية
كثيراً ما يتعرض الأشخاص الذين يكشفون عن المخالفات المالية والقانونية، ووقائع الفساد الحكومي للأذى الذي يبدأ من فقدان وظائفهم، إلى الملاحقات القضائية، حتى يصل في بعض الأحيان إلى تهديدات خطيرة لحياتهم وأمن أسرهم.
وعلى الرغم من إرسال البعض، الوثائق والمعلومات إلى وسائل الإعلام دون الكشف عن هوياتهم، فإن هذا لا يحميهم من أنظمة المراقبة الحكومية وغيرها التي تتمكن من التوصل إليهم. كما قد يعد مجرد الدخول إلى مواقع الإنترنت المتخصصة بكشف الفساد، أو البحث حول هذه المسائل، إشارة ضمنية قد ترصدها الجهة التي يعمل أو يتصل بها الشخص عن قرب، ما يعرض حياته للخطر.
ولعل من أحدث الأمثلة على حوادث تسريب المعلومات، قصة الأميركي إدوارد سنودن، التي تشغل القنوات الإعلامية منذ فترة، بعدما كشف عن وثائق «وكالة الأمن القومي» الأميركية، تخص برنامج «بريسيم» للتجسس والوصول إلى بيانات، تشمل البريد الإلكتروني، والصوت، والصور، والفيديو، من اجهزة كمبيوتر كبرى شركات الإنترنت مثل «غوغل» و«فيس بوك» و«مايكروسوفت».
وتبذل الحكومة الأميركية حالياً، جهدها لتسلم سنودن، وترحيله إلى واشنطن لتقديمه إلى المحاكمة بتهم عدة بينها التجسس، إلا أنه لم تتضح بعد وجهته النهائية بعدما غادر هونغ كونغ سعياً لطلب اللجوء السياسي إلى الإكوادور.
وسعياً لتوفير درجة أكبر من الحماية للأشخاص الراغبين في الكشف عن معلومات مهمة دون الإفصاح عن هوياتهم، يعمل فريق أبحاث في جامعة «برلين الحرة» الألمانية على مشروع بحثي لتطوير طريقة تُوفِّر للمُبلِّغين إمكانية إرسال الوثائق والمواد عبر الإنترنت بسرية كبيرة، دون أن يكون من السهل على جهات المراقبة، مثل مُزودي خدمات الإنترنت وهيئات الاستخبارات الوصول إليهم، فحتى قبل الكشف عن برنامج «بريسيم»، يظل بإمكان جهات عالية المستوى مثل «وكالة الأمن القومي» الوصول مباشرةً إلى قدر كبير من بيانات الاتصالات التي تتم عبر الإنترنت عبر وصلات الألياف الضوئية.
ويحمل النظام الجديد اسم «أد ليكس» في دمج بين كلمتيّ الإعلانات والتسريبات. ويعتمد النظام على إخفاء عملية نقل المعلومات المهمة وسط زحام الإعلانات التي توجد في معظم مواقع الإنترنت، كما يُعيق إمكانية تعقب البيانات والوثائق التي يتم تبادلها ونقلها حتى في ظروف الرقابة المشددة ورصد جهات المراقبة لعملية الاتصال بأكملها.
ويتطلب عمل النظام مشاركة مواقع على الإنترنت بنشر إعلانات خاصة بنظام «أد ليكس» في صفحاتها. ويتضمن كل إعلان تعليمات برمجية تشفر رسالة خالية وترسلها من متصفح المستخدم إلى خادم موقع «أد ليكس»، وهذا ما يحدث لعموم المستخدمين عند زيارتهم لإحدى الصفحات التي تعرض هذه الإعلانات.
أما في حال الأشخاص الراغبين في إرسال معلومات سرية، فتستبدل متصفحاتهم أجزاء من الرسالة الخالية المشفرة بأجزاء مما يريدون الإفصاح عنه.
وتمنع هذه الطريقة جهات التجسس ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت من استنتاج أي معنى من بيانات الاتصال أو الكشف عن مصدر الرسائل، إذ لا يمكنها التمييز بين الرسائل المشفرة الخالية، والأخرى الواردة من متصفحات مُرسلي المعلومات المهمة.
ويتطلب الأمر من الأشخاص الراغبين في إرسال المعلومات، تهيئة متصفحاتهم لتتمكن من إرسال البيانات السرية، من خلال مسح رمز الاستجابة السريعة أو كود «كيو آر»، وبعدها يتصفحون الإنترنت بطريقة عادية لتنقل الأداة قدراً من المعلومات التي يرغبون في الكشف عنها في كل مرة يزورون فيها إحدى الصفحات التي تنشر إعلانات «أد ليكس». وربما تستغرق هذه العملية أسابيع بحسب حجم المواد وعدد الإعلانات التي يراها الشخص يومياً، لكنها تُوفِّر قدراً عالياً من السرية والأمان.
ويتعاون في تطوير «أد ليكس»، عالم الكمبيوتر في جامعة «برلين الحرة»، فولكر روث، مع فريق من طلاب الجامعة، بالاشتراك مع أستاذ علوم الكمبيوتر من «معهد ستيفين للتكنولوجيا» في ولاية «نيو جيرسي» الأميركية، سفين ديتريتش، ولايزال المشروع في مرحلة التطوير والاختبار، ويتيح الفريق التعليمات البرمجية أولاً بأول عبر موقع المشروع على الإنترنت.
ورأى العالم روث، أن النظام سيساعد الراغبين في الكشف عن المخالفات على توصيل رسالتهم بأمان، مع عدم رغبة الجميع في التحدث علانيةً، مشيراً إلى حادثة إدوارد سنودن بقوله: «علينا الإشادة بالشجاعة المدنية التي يتمتع بها سنودن، الذي خاطر بمستقبله دفاعاً عن قناعاته الديمقراطية».
وأضاف أنه «حتى في حال عدم إعلان الأشخاص عن أسمائهم، فإن ذلك لا يحميهم تماماً من الخطر، إذ يبقى بمقدور جهات مثل وكالة الأمن القومي، اقتفاء أثر البيانات التي تم إرسالها عبر الإنترنت في فترات مختلفة. كما أن مجرد استخدام برامج إخفاء الهوية، مع ما توفره من حماية نسبية، قد يُثير الشبهات حول الشخص».
ومن بين أشهر برامج إخفاء الهوية على الإنترنت «تور»، وهو أحد البرمجيات الحرة، ويعتمد على توجيه نقل البيانات عبر الإنترنت خلال شبكة من المتطوعين لإجراء آلاف التبديلات لإخفاء موقع المستخدم، ما يجعل من الصعب تعقب نشاطه مثل زيارة مواقع معينة، والمواد والرسائل الفورية التي يبعث بها وغيرها من أشكال الاتصال.
وبالاعتماد على «تور»، أطلقت مجلة «ذا نيو يوركر» خدمة «سترونغ بوكس» لتُمكِّن الأشخاص من إرسال مساهمات مثل وثائق أو معلومات مهمة دون الكشف عن هويتهم أو موقعهم الجغرافي، ودون أن تتمكن المجلة ذاتها من معرفتهم.
وبعد تحميل المستخدمين لبرنامج «تور»، فإنه يمكنهم إرسال مساهمتهم التي تصل مشفرة إلى خادم خاص، ويتلقى المساهمون اسماً رمزياً يُولّد بشكل عشوائي يمكن من خلاله الدخول إلى الموقع مرة أخرى للتواصل مع مُحرري المجلة.