تقنية تؤرخ لحياة الفرد من خلال تغريدات «تويتر»

صار موقع «تويتر» بالنسبة لعدد غير قليل من الأشخاص، بديلاً عن دفتر تدوين المذكرات التقليدي، فيضمنون تغريداتهم جانباً كبيراً من تفاصيل الحياة اليومية مثل ميعاد النوم، والخروج إلى العمل والعودة، وما يجري في وسائل المواصلات، وتطورات العمل، والأحداث الشخصية والعائلية المهمة، فضلاً عن صور وروابط لما يقرأونه ويشاهدونه على الإنترنت، وتغريدات كثيرة تتضمن انطباعاتهم وآرائهم حول أمور مختلفة؛ بداية من العروض التلفزيونية إلى التوجهات الفكرية والسياسية والدينية.

وتدع نسبة كبيرة من مستخدمي موقع التدوين المصغر حساباتهم مفتوحة للجميع، وإذا ما جرب شخص الاطلاع على حساب آخر لا يعرفه، أو يعرف عنه معلومات قليلة للغاية، فإنه قد يتمكن من اكتشاف الكثير عن شخصيته بحسب حجم نشاطه في «تويتر»؛ إذ قد يستنتج التحاقه بوظيفة جديدة، أو اتباعه لحمية غذائية، والوجهات التي سافر إليها، ومعلومات عن علاقاته الأسرية، وحالته النفسية في فترات مختلفة.

الأمر الذي يعني أنه مع تراكم مئات وآلاف التغريدات في حساب أحد الأشخاص في «تويتر» ــ وفي حال دأب على الحديث عن حياته اليومية ــ فإنه يتكون دفتر مذكرات غير منظم تختلط فيه الأحداث الشخصية المهمة بتفاصيل عادية، وتالياً فليس من الصعب تصور إمكانية الاعتماد على التغريدات وحدها لبناء تسلسل زمني وتأريخ للأحداث الرئيسة في حياة شخص ما.

وبغرض إيجاد وسيلة آلية لتمييز التغريدات المهمة عن غيرها، طور الباحثان جيوي لي من جامعة «كارنيجي ميلون» الأميركية، وكلير كاردي من جامعة «كورنيل» الأميركية، خوارزمية تستخرج التغريدات التي تصف الأحداث الشخصية المهمة في حياة الشخص.

ويمكن لهذه التقنية الجديدة بناء تسلسل زمني دقيق لحياة الفرد الشخصية من خلال التنقيب في تغريداته، وتغريدات المتابعين له وتحليلها، وهو ما يبدو مخيفاً للبعض؛ إذ يعني أن بمقدور أي شخص أن يعرف المحطات الأساسية في حياتهم فقط من خلال ما يكتبونه في «تويتر» فقط.

وتعتمد الخوارزمية على تصنيف التغريدات ضمن أربع فئات، تصف كل فئة التغريدة من حيث اتصالها بالحياة الشخصية للمستخدم، وما إذا كانت تشير إلى توقيت محدد أم لا.

وتتضمن الفئات: تغريدات تتعلق بالحياة الشخصية وتحمل توقيتاً محدداً، وهي الفئة الأكثر أهمية، وفئة ثانية تصف أحداثاً شخصية دون توقيت محدد، وثالثة تتناول أحداثاً عامة وتشير إلى توقيت محدد، والفئة الأخيرة هي التغريدات التي تتناول أحداثاً عامة دون تحديد لتوقيت.

وعلى سبيل المثال، فإن تغريدة تتناول رأي الشخص في فترة الانتخابات تندرج ضمن التغريدات العامة ذات التوقيت المحدد، بينما تغريدة تتحدث عن حالة الطقس تقع ضمن الفئة الأخيرة من التغريدات العامة غير محددة التوقيت، مع ملاحظة أن بعض التغريدات العامة قد تكون شخصية وبالغة الأهمية لأشخاص بعينهم؛ ففي حالة الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ومع كونها تحظى بمتابعة الملايين من الأشخاص، إلا أنها تعتبر حدثاً شخصياً مؤثراً في حياة المرشحين، باراك أوباما، وميت رومني.

وتستند الخوارزمية إلى التمييز بين فئات التغريدات على اختلاف نمط التغريدات والردود وإعادة نشر التغريدة «ريتويت» بين كل فئة وأخرى؛ إذ إنه قد يختلف أسلوب الردود على تغريدة تتناول الحصول على وظيفة جديدة عن تغريدة حول الانتخابات أو حالة الجو.

وبعد تحديد النمط أو التوقيع المميز للتغريدات التي تتناول الأحداث الشخصية المهمة، فإنه يمكن البحث وتحليل بقية التغريدات لاكتشافها، ومن ثم إعداد قائمة مرتبة زمنياً تروي تاريخ حياة الشخص خلال فترة زمنية محددة.

واختبر الباحثان هذه الطريقة مع 20 حساباً في تويتر تعود إلى مستخدمين عاديين، و20 حساباً أخرى تعود إلى شخصيات شهيرة على مدار 21 شهراً بين عامي 2011 و2013، وبعدها قارنا ما توصلت إليه الخوارزمية بالتاريخ الفعلي لحياة هؤلاء الشخاص.

وطلب الباحثان من المستخدمين العاديين تكوين تسلسل زمني بأحداث حياتهم المهمة من خلال ما كتبوه من تغريدات، بينما اعتمد الباحثان على السير الذاتية في موسوعة «ويكيبيديا» ومصادر المعلومات الأخرى لتكوين قصة حياة الشخصيات الشهيرة خلال هذه الفترة.

ونجحت الخوارزمية بالفعل في تحديد بعض الأحداث الشخصية المهمة التي جرى تحديدها في قصص حياة الأشخاص.

وقال الباحثان في دراستهما: تُثبت التجارب التي جرت على البيانات الحقيقية في «تويتر» فاعلية هذا الأسلوب على نحوٍ كمي، وتابعا: «يُوفر منهجنا منظوراً جديداً لتتبع الأفراد».

ومع ذلك، لفت الباحثان إلى بعض المشكلات التي تحول دون عمل الخوارزمية مع بعض الأشخاص؛ إذ إنها تتطلب أن يكون لدى المستخدم ما يكفي من التغريدات التي تتناول أحداث حياته وعدد من المتابعين يمكن تحليلها لاكتشاف النمط المميز للتغريدات والردود التي تشير للأحداث المهمة، وتالياً لا تتلاءم مع أشخاص لا ينشرون في «تويتر» بانتظام، أو لا يتناولون حياتهم الشخصية.

وأشار الباحثان في الدراسة التي حملت عنوان «إنشاء الخط الزمني.. تتبع الأفراد في تويتر»، إلى عزمهما العمل على تحسين أسلوب عمل التقنية الجديدة وما تتوصل إليه من نتائج، لكنهما لم يتطرقا إلى إتاحة هذه الخوارزمية للاستخدام العام على نطاق أوسع يتجاوز الأبحاث.

وفي نهاية المطاف، تُشير الدراسة إلى أن الحياة الشخصية للفرد متاحة أمام الآخرين بلمسات قليلة، كما لا يمكن تحديد هوية الآخرين أو حصرهم؛ فقد يكونون من الأصدقاء أو أفراد العائلة، والمنافسين في العمل، وأصحاب العمل المحتملين أو الموظفين، فضلاً عن الجهات الحكومية والقضائية، ووسائل الإعلام، أو حتى الراغبين في متابعة أدق التفاصيل عن المشاهير من نجوم التمثيل والغناء.

ويلفت ذلك الانتباه إلى اعتبارات متعددة بعضها يتعلق بخصوصية الأفراد، كما قد تُنبه كثيرين إلى مقدار ما يتركونه في «تويتر» من معلومات شخصية ثمينة، وأنهم على نحو ما يتيحون تاريخ حياتهم للجميع سواء استخدموا أساليب آلية مثل هذه الخوارزمية أو دونها، ما يعني أيضاً أنه على الرغم من الحديث الدائم عن تأثير «تويتر» والشبكات الاجتماعية عموماً، فإنه لم يتضح بعد بشكل كامل مدى قوتها، وما يمكن أن تصل إليه، أو الأغراض التي تستغل فيها.

 

 

الأكثر مشاركة