خاصية تعكس الجوانب الخفية من تفكيرنا.. والشركة تتدخل لحذف صياغات مرتبطة بالكراهية والعنصرية والعنف
«الإكمال التلقائي» تقود «غوغل» إلى ساحة القضاء
في كثير من الأحيان التي نبحث فيها على الإنترنت بواسطة محرك البحث «غوغل»، فإننا نستخدم ــ وأحياناً دون أن ننتبه ــ خاصية «الإكمال التلقائي» التي تقترح علينا حروفاً وكلمات لاستكمال ما نكتبه في مربع البحث.
وقد وُجهت إلى شركة «غوغل» الأميركية انتقادات عدة بسبب خاصية «الإكمال التلقائي» وصل بعضها إلى ساحات القضاء. وفي أكتوبر الماضي، استخدمت «هيئة الأمم المتحدة للمرأة» هذه الخاصية ضمن حملتها لإظهار مدى انتشار التحيز ضد المرأة.
وأظهرت ملصقات الحملة، لقطات مقربة لوجوه نساء، ويغطي الفم مربع البحث في «غوغل» مكتوباً فيه عبارات باللغة الإنجليزية منها: «يجب على النساء»، و«لا يجب على النساء»، و«النساء يحتجن إلى»، و«النساء لا يستطعن أن»، ويظهر أسفل مربع البحث قائمة بالعبارات الشائعة التي تقترحها خاصية الإكمال التلقائي، استناداً إلى عمليات بحث حقيقية أجريت خلال العام الجاري.
وعكست العبارات شيوع التمييز ضد المرأة، فتضمنت عبارات تستنكر حق المرأة في التصويت في الانتخابات والعمل وقيادة السيارة. وكان الهدف الأساسي وراء الحملة، الإشارة إلى ما يحمله وعي الناس الجماعي من تمييز ضد المرأة، فـ«الإكمال التلقائي» تعتمد على خوارزميات تُنقّب في مليارات من عمليات البحث السابقة في «غوغل»، وفي كثيرٍ من الأحيان تعكس استعلامات البحث جوانب خفية من أفكار المستخدمين بشأن شخصية أو قضية معينة.
إلا أنه وبصرف النظر عن حملة الأمم المتحدة، تُثار حول خاصية «الإكمال التلقائي» في «غوغل» أسئلة متعددة، منها ما إذا كانت فعلاً تعكس رؤية عموم المستخدمين، أم أنها خاضعة لضوابط تخص تاريخ بحث كل مستخدم، ولغته، فضلاً عن الرقابة التي تفرضها «غوغل» لاستبعاد عبارات معينة، وأيضاً ما إذا كان الاعتماد عليها يؤثر في أفكارنا، واحتمال أن يوجهنا في مسارٍ خاطئ، أو ينقل إلينا مفاهيم غير دقيقة. وتناول الكاتب البريطاني، توم شاتفيلد، جانباً من هذه التساؤلات في مقال نشره موقع «بي بي سي» الإخباري.
تعتمد خاصية «الإكمال التلقائي» في «غوغل» على مزيجٍ من الخوارزميات تختفي وراء واجهة بسيطة وعفوية، حتى أن المستخدم لا يُلاحظ وجودها في أغلب الأوقات، ويعتبرها جزءاً أصيلاً من عملية البحث، وهو ما يشير إلى نجاحها على غرار بعض من أنجح التقنيات في العالم.
وتتأثر نتائج «الإكمال التلقائي» بعوامل متعددة من أهمها اللغة المستخدمة في البحث، والمكان، والتوقيت، ومدى شعبية الموضوع، وحداثته، إضافة إلى عمليات البحث التي أجراها في الماضي.
وعلى الرغم من تأكيد «غوغل» على آلية عملية «الإكمال التلقائي»، فإنها تُشير إلى تدخلها بحذف مصطلحات من المحتمل ألا تكون قانونية أو ملائمة لبعض المستخدمين، وحذف الصياغات المرتبطة بالكراهية الدينية والعنصرية، والعنف، والمواد الإباحية، والعبارات المتعلقة بانتهاك حقوق المؤلفين، كما تُحدّث الشركة باستمرار قائمتها لطلبات البحث غير اللائقة، ما يعني أن خاصية «الإكمال التلقائي» لا تقدم عرضاً كاملاً لموضوع البحث الذي يجريه المستخدم، بل تقدم ما تتوقع «غوغل» أن المستخدم يرغب فيه، ما يعني أيضاً أن الخاصية لا تتعلق بعرض الحقيقة المجردة، وإنما بعرض عبارات وموضوعات مرتبطة.
ويُنظر إلى «الإكمال التلقائي» باعتبارها نوعاً من النبوءات والتكهنات، مع دعوة ضمنية للمستخدمين باختيار أحدها والموافقة على البحث في هذا الاتجاه، وبالتالي، فإن الاستمرار في الاعتماد عليها في مهمة استكمال فكرة أو عبارة البحث، قد يجعلنا نُسهِم في الإضافة إلى حلقة متصلة مستمرة قد تقدم الأكاذيب والمفاهيم الخاطئة للباحثين عن الموضوعات ذاتها في المستقبل.
ولذلك كله، اقترح «شاتفيلد» في مقاله، تجربة إبطال خاصية «الإكمال التلقائي»، عبر تغيير إعدادات محرك البحث، ولو بغرض اختبار دوره كجهاز كمبيوتر صغير يهمس بجوار آذاننا في تغيير الطريقة التي نفكر بها في العالم.
وسبق أن وُجهت الانتقادات إلى «غوغل» بسبب خاصية «الإكمال التلقائي» وصل بعضها إلى ساحات القضاء، ومنها في مارس الماضي حين قررت محكمة يابانية ضرورة تعديل «غوغل» لنتائج «الإكمال التلقائي» الخاصة بمواطن ياباني. وكان الرجل وجد أنه بعد كتابة اسمه في مربع البحث في «غوغل»، تُلحق «الإكمال التلقائي» باسمه أعمالاً إجرامية لم يرتكبها، وإنما تعود إلى شخصٍ آخر يحمل الاسم ذاته، ما أضر به وصعّب من حصوله على عمل. وفي حالة مماثلة جرت العام الجاري، اتُهمت خاصية «الإكمال التلقائي» بالتشهير والإضرار بسمعة طبيب أسترالي، إذ أظهرت اسمه في مربع البحث متبوعاً بكلمة «مُفلس».
وربما، مما يمنح لخاصية «الإكمال التلقائي» قيمتها، اعتياد المستخدمين، بفضل التقنيات الحديثة، على السرعة الفائقة، واعتبار أن تأخر الإنترنت لأجزاء من الثانية بطء غير مقبول، ولذلك يقبل المستخدمون ضمن سعيهم لزيادة كفاءة البحث وسرعته بأن تُكمل تقنية «الإكمال التلقائي» أفكارهم.
وفي ما يخص «غوغل»، فإنها تُعدد راحة الأصابع ضمن مزايا «الإكمال التلقائي»؛ لأن البحث سيتطلب قدراً أقل من الكتابة على لوحة المفاتيح، وتصحيح الأخطاء الهجائية، وكذلك إمكانية تكرار البحث عن العبارات المفضلة عند استخدام الكمبيوتر نفسه، والوصول إلى عبارات مفيدة حول موضوع البحث.
وتُعلق الكاتبة أروا مهداوي، في مقال نشرته صحيفة «ذا غارديان» البريطانية حول الموضوع ذاته، أنه ربما تسمح لنا «الإكمال التلقائي» بإراحة أصابعنا، لكنها تجعلنا نريح أدمغتنا أيضاً، وقالت: «كمجتمع، فإننا نحتاج إلى كسر إدماننا على السرعة، وأن نبطئ من سرعتنا دقيقة للتفكير».