دراسة: تغريدات «تويتر» أصبحت أقصر

منذ نشر جاك دورسي، أحد مؤسسي موقع «تويتر» ورئيس مجلس إدارته، تغريدته الأولى في 21 مارس عام 2006، تزايدت أعداد مستخدمي موقع التدوين المصغر، كما تضاعف نشاطهم شيئاً فشيئاً، فبينما نُشرت 400 ألف تغريدة خلال كل ربع من عام 2007، بلغ عدد التغريدات اليومية بعد ثلاث سنوات 65 مليون تغريدة، وصولاً إلى نحو 400 مليون تغريدة حالياً، كما قفز عدد المستخدمين من 18 مليون مستخدم في نهاية عام 2009 إلى 200 مليون مستخدم نشط شهرياً خلال العام الجاري.

وفضلاً عن الشعبية الكبيرة، صار لموقع «تويتر» تأثيره في مجالات عدة كالإعلام والسياسة والتسويق وبين الشبكات الاجتماعية المنافسة، وقبل ذلك كله بين ملايين الأشخاص؛ فلم تعد اصطلاحات الموقع مثل «هاشتاج» أي «وسم»، و«متابع» أو «فولور»، و«إعادة نشر التغريدة» أو «ريتويت»، غريبة عن أسماع الكثيرين، بل انتقلت من «تويتر» إلى مواقع أخرى، وأحياناً ما تتجاوز الإنترنت وتتردد في الصحف والبرامج التلفزيونية والحديث العام، حتى إن قاموس «أوكسفورد» للغة الإنجليزية أدرج رسمياً كلمة «تويت»، التي تعني «تغريدة» أو «يغرد».

لكن تأثير «تويتر» في اللغة المستخدمة ربما يتجاوز شيوع مصطلحاته في الحياة ومعاجم اللغات إلى التأثير في طريقة التواصل بين الناس؛ فأشارت دراسة حديثة إلى أن تغريدات «تويتر» تتجه لتكون أقصر مع مرور الوقت، بحيث يعبر المستخدمون عما يريدون بجمل أقصر وعدد أقل من الكلمات، وهو ما يعني أن 140 حرفاً أو رمزاً، وهو الحد الأقصى لكل تغريدة، لم يعد عائقاً أمام التعبير، بل إن جمهور الموقع يميل للاكتفاء بعدد أقل من الحروف.

وأجرى الدراسة كريستيان أليس وماي ليم من جامعة الفلبين، ودرس الباحثان تفاوت طول التغريدات المنشورة على مدى ثلاث سنوات خلال الفترة بين سبتمبر 2009 وديسمبر 2012، وشملت الدراسة 229 مليون تغريدة، وحسبا طول كل واحدة مع تاريخ نشرها.

وأظهرت النتائج، التي عرضها موقع مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية، تراجع طول التغريدات بشكل كبير خلال تلك الفترة؛ فمال المستخدمون إلى التواصل بكلمات أقل وأقصر، وتراجع متوسط الكلمات المستخدمة في التغريدة الواحدة من ثمان إلى خمس كلمات، وهو ما يقل عما أسماه الباحثان «القيد القسري» المتمثل في تحديد «تويتر» 140 حرفاً حداً أقصى لكل تغريدة.

ورأت الدراسة أن الميل إلى الاختصار ظاهرة عالمية؛ إذ صدق على التغريدات بشكل عام، وعلى التغريدات باللغة الإنجليزية فقط حتى مع حذف جميع الروابط من قاعدة البيانات، وكان «تويتر» كشف في أكتوبر 2011 عن خوارزمية لتقصير الروابط تلقائياً، بحيث تتألف من 20 حرفاً فقط، وأسهم ذلك في زيادة عدد الكلمات التي تتكون من 20 حرفاً، لكنه لم يؤثر في الاتجاه السائد في كتابة تغريدات أقصر.

وأرجعت الدراسة السبب في قصر التغريدات إلى شيوع اللغة الاصطلاحية، التي تعبر عن مجموعة أو مهنة أو مجال معين، بين المستخدمين وزيادة قدرتهم على استعمالها، وربما يُشير ذلك إلى قدرتهم على استخدام كلمات مختصرة، وكتابة بعض الكلمات بمزيج من الحروف والأرقام، وربما استخدمت الرموز التعبيرية.

ويرى الباحثان في ذلك امتداداً للميل إلى الاختصار والقصر الذي تشهده محادثات الأفلام والكتب باللغة الإنجليزية على امتداد القرنين الماضيين، كما سعى الباحثان، أليس وليم، إلى اختبار العلاقة بين طول التغريدات والعوامل الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بالمستخدمين في منطقة معينة، ودرسا 800 ألف تغريدة تتضمن الموقع الجغرافي للمستخدم داخل الولايات المتحدة.

ووجد الباحثان أن عدد التغريدات التي أشارت إلى ولاية معينة يرتبط بقوة بتعداد سكانها المسجل عام 2010، كما وجدا أن مستخدمي «تويتر» من الولايات الأميركية التي تقع في الجنوب الشرقي والشرق يميلون إلى استخدام عبارات أقصر في تغريداتهم.

وبهدف التحقق من السبب المحتمل لميل مستخدمي هذه المناطق تحديداً إلى الاختصار، درس الباحثان علاقتها بالمتغيرات المتوافرة في أرقام «مكتب الإحصاء الأميركي» لعام 2010، التي تتضمن عوامل مختلفة مثل: النسبة المئوية للأشخاص الذين تجاوزت أعمارهم الـ25 وتخرجوا من المدرسة الثانوية وما بعدها، والنسبة المئوية للسكان السود في كل ولاية، ونسبة الوحدات السكنية التي يشغلها مالكوها مقارنة بالوحدات السكنية المشغولة.

وأظهر التحليل ارتباط الميل إلى استخدام عدد أقل من الكلمات بنسبة السكان السود في الولاية، وبحسب الباحثين، يُشير ذلك إلى أن استخدام الأميركيين السود لموقع «تويتر» يفوق بكثير استخدام المجموعات السكانية الأخرى، كما قد تكون اللغة الاصطلاحية أكثر انتشاراً بينهم.

لكن هذا السبب لا يعد حاسماً، ويتطلب تأكيده دراسة تفصيلية تتضمن البحث في محتوى التغريدات، وهو ما رأى الباحثان أنه يتجاوز نطاق دراستيهما.

وعموماً، لا تعد نتائج الدراسة نهائية؛ فربما يعود ميل المستخدمين إلى الاختصار إلى انتشار اللغة الاصطلاحية في ما بينهم، ما قد يعني إمكانية تمييز جمهور «تويتر» إلى مجموعات محددة بحسب اللهجة أو اللغة الاصطلاحية التي تعتمدها كل مجموعة.

كما من المحتمل أن يرجع السبب إلى اعتياد المستخدمين بعد مرور سنوات عدة على طبيعة «تويتر» وما يفرضه من اختصار، وتحسن مقدرتهم على التعامل معه، كما قد يعود لانضمام فئات جديدة من المستخدمين كالمراهقين الذين يميلون إلى التعبيرات القصيرة، وربما يكون لهذه الأسباب وغيرها تأثيرها، لكن المؤكد أن المحادثات المتبادلة عبر «تويتر» والشبكات الاجتماعية الأخرى تعكس بعضاً من التغيرات الطارئة على اللغة المستخدمة في أحد المجتمعات، ومعها جانباً من طبيعة المجتمع وأفكاره.

 

الأكثر مشاركة