«كوالكوم» تطلق النسخة التجارية منها خلال عام 2014
معالجات تُحاكي عمل الدماغ البشري تفتح الباب أمام تطور الحواسيب
توشك الحواسيب على دخول مرحلة جديدة من خلال محاكاة المعالجات آلية عمل الدماغ البشري، وهو ما يمكن أن يقلب العالم الرقمي رأساً على عقب؛ فإلى جانب أتمتة المهام التي يتطلب أداؤها الآن جهداً مضنياً في البرمجة مثل تحريك ذراع روبوت، ستتمكن الحواسيب من التعلم من الأخطاء وتفاديها، لتصبح عبارة «عطل الحاسب» جزءاً من الماضي، بحسب تقرير نشرته صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية.
وتستخدم هذا النهج بالفعل بعض الشركات الكبيرة العاملة في مجال التكنولوجيا، وتعتمد طريقتها على محاكاة الجهاز العصبي للإنسان، خصوصاً استجابة الخلايا العصبية للمُحفزات وكيفية تواصلها مع الخلايا العصبية الأخرى لتفسير المعلومات، الأمر الذي يتيح للحواسيب استيعاب معلومات جديدة أثناء إنجاز مهامها، وتعديل ما تقوم به بناءً على تغير الإشارات التي تصلها.
وخلال السنوات المقبلة سيتيح هذا النهج الاستعانة بجيل جديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي لأداء بعض الوظائف البشرية السهلة، بالنسبة لنا، مثل الرؤية، والحديث، والاستماع، والملاحة أثناء التنقل، والتحكم، كما سيُغير كثيراً من بعض المجالات القائمة، مثل التعرف إلى الوجوه والحديث، التي لاتزال في مراحلها الأولى، وتعتمد أساساً على البرمجة.
كما يرى مصممون أن هذا النهج الجديد في الحوسبة يمهد الطريق لتمكين الروبوتات من المشي والقيادة بأمان في العالم الحقيقي، وعلى الرغم من أن فكرة كهذه، أي الحاسب المفكر والواعي، ومع كونها ركناً ثابتاً في الخيال العلمي لسنوات، فإنها لاتزال ضمن المستقبل غير القريب.
واعتبر عالم الفيزياء الفلكية لاري سمار ما يحدث انتقالاً من نظم الحوسبة الهندسية إلى شيء مختلف يحمل العديد من ملامح الحوسبة البيولوجية أو الحيوية.
وتعتمد الحواسيب التقليدية على البرمجة للقيام بمهام محددة؛ فمثلاً تتعرف نظم الرؤية الحاسوبية، التي تهدف لمعالجة وفهم وتحليل الصور من العالم الحقيقي وتحويلها إلى بيانات رقمية، على العناصر من خلال خوارزميات إحصائية، وتتألف كل خوارزمية من إجراءات متسلسلة، تهدف إلى إتمام عملية حسابية.
وخلافاً ذلك، نجح باحثون في شركة «غوغل» العام الماضي في التوصل إلى خوارزمية تعتمد على تعلم الآلة تُعرف باسم «الشبكة العصبية»، وتمكنت من مسح 10 ملايين صورة، ودربت نفسها على التعرف إلى القطط.
وكشفت الشركة في يونيو الماضي عن استخدامها تقنيات الشبكة العصبية في تطوير خدمة بحث جديدة، تسح للمستخدمين بالبحث عن صور معينة بقدر أكبر من الدقة.
وبُني النهج الجديد في الحوسبة، على تطور المعرفة العلمية عن الدماغ البشري، ومع ذلك، فلهذا المنهج حدوده؛ نظراً لأنه لا يتوافر لدى العلماء فهم كامل لوظائف الدماغ، بحسب رئيس مختبر «برينز إن سيليكون» في جامعة «ستانفورد»، كوابينا بواهن.
وتتألف المعالجات الجديدة من مكونات إلكترونية يمكن توصيلها بأسلاك تُحاكي نقاط الاشتباك العصبي في الدماغ البشري، وبسبب اعتمادها على مجموعات هائلة من العناصر الشبيهة بالأعصاب تُعرف باسم Neuromorphic Processors نسبةً إلى الأعصاب، وابتكر المفهوم عالم الفيزياء في «معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا»، كارفر ميد.
ويمكن تفسير الفكرة الجوهرية لعمل هذه المعالجات بأنها تبرمج الإجراءات التي تنفذها بالطريقة نفسها التي يُغير بها البشر أفكارهم وأفعالهم بناءً على ما يحصلون عليه من معلومات. ولا يجري برمجتها، بل تزن الاتصالات بين الدوائر الإلكترونية بحسب الارتباطات بين البيانات التي تعلمها المعالج، وتتغير هذه الأوزان والقيم مع تدفق البيانات، ما يولد إشارة تنتقل إلى المكونات الأخرى وتغير الشبكة العصبية.
ولن تكون الحواسيب الجديدة، التي لاتزال تعتمد على رقاقات السيليكون، بديلاً عن الحواسيب المستخدمة حالياً بل ستعززها، إلى الآن على الأقل. ويرى مصممو حواسيب دورها كمعالجات مُساعدة، ما يعني عملها إلى جانب الدوائر الأخرى التي يمكن دمجها في الهواتف الذكية، والحواسيب المركزية الضخمة.
وسيُسهِم هذا النوع من الحواسيب في التغلب على بعض مشكلات الحواسيب التقليدية التي تتسم بدقتها، فلا يمكنها تحمل فشل محول واحد، بينما مع التصميمات الجديدة الحيوية ستتغير الخوارزميات، ما يتيح للنظام التكيف والعمل بوجود فشل لإكمال المهام، وتجاوز الأخطاء. وإلى جانب ذلك، يعيب الحواسيب التقليدية افتقارها للكفاءة في استهلاك الطاقة، خصوصاً عند مقارنتها باستهلاك العقل البشري الذي تطمح الحواسيب الجديدة لمحاكاة عمله، فمثلا كشفت شركة «آي بي إم» عن برنامج باسم «كومباس» أو «البوصلة» للحاسب الفائق يُحاكي عمل 10 مليارات خلية عصبية في الدماغ، وهو ما يزيد على 10% من الدماغ البشري، ويعمل الحاسب 1500 مرة أبطأ من الدماغ.
ومع ذلك، يستهلك ميغاواط عدة من الطاقة، بالمقارنة مع استهلاك الدماغ 20 واط فقط. أما تشغيل «كومباس» بسرعة الدماغ البشري كحاسب تقليدي، فيتطلب طاقة تكفي مدينتي سان فرانسيسكو ونيويورك.
وصممت كلٌ من «آي بي إم»، و«كوالكوم»، وجامعة «ستانفورد» معالجات تحاكي الجهاز العصبي، وتعتزم «كوالكوم» طرح الإصدار التجاري الأول منها خلال عام 2014. كما تركز جامعات ومراكز أبحاث على هذا النمط من الحوسبة، ومن ذلك تمويل «مؤسسة العلوم الوطنية» الأميركية، بالاشتراك مع جامعتي «هارفارد» و«كورنيل»، مركزاً بحثياً جديداً في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، يحمل اسم «مركز الأدمغة والعقول والآلات» أو «سي بي إم إم»، وهو ما يراه البعض محاولة لمعرفة ودراسة الموجة الكبيرة القادمة في عالم الحواسيب.