جدل حول الثقة بمواقع المراجعات على الإنترنت
تجمع مواقع الإنترنت المتخصصة في تقييم ومراجعات المنتجات والخدمات آراء آلاف الأشخاص حول خدمة أو منتج، ما يساعد آخرين على اتخاذ قرارهم بالاشتراك أو الشراء، ومع ما تقدمه من فائدة، تحيط بعملها أسئلة عدة حول إمكانية الثقة بها، وتضمنها لمراجعات مزورة تبالغ في التقييم سلباً أو إيجاباً، الأمر الذي يضر بالعملية التجارية برمتها، ما يجعل هذه المواقع موضع جدل واسع.
ومن أهم أمثلة مواقع المراجعات «تريب أدفايزور» المتخصص في تقييم الفنادق والمطاعم، ويجذب شهرياً 260 مليون زائر فريد، كما حظي العام الماضي بزيادة 55% في عدد زياراته، بالإضافة إلى ذلك تُوسع الشركة من اختصاصاتها بالاستحواذ على مواقع أخرى، آخرها «سيت جريو» الذي يساعد المسافرين جواً على اختيار المقعد المفضل في طائرات معينة، وكذلك موقع «يلب» لتقييم الأماكن، وبجانب الولايات المتحدة يمتد عمله إلى بريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وأجزاء من أوروبا، ووقع أخيراً شراكة مع «ياهو» لتضمين معلوماته في نتائج البحث بمحركها البحثي.
وتمتد مجالات مواقع التقييم لتخصصات مختلفة، منها «ريتد بيبول» البريطاني الذي تأسس عام 2005 ويستعد للاكتتاب العام في سوق لندن للأوراق المالية، ويربط بين أصحاب المنازل والحرفيين المختصين بأعمال الصيانة كالبناء والكهرباء والسباكة.
ونظرياً على الأقل توفر مثل هذه المواقع الفرصة للمستهلكين للحصول على آراء حقيقية للخدمات والمنتجات بعيداً عن الرسائل الدعائية، كما يمكن لها أن تسهم في نجاح الشركات وجذب عملاء جدد، وفي المقابل يمكن أن تضر التقييمات السلبية بسمعتها، ما يُثير الشكوك حين لا يمكن الثقة تماماً بكل الآراء التي تتضمنها.
من جانبها، تؤكد المواقع الكبيرة على إعمالها بعض الضوابط التحريرية للتخلص من المراجعات المزيفة والاحتيال، وهو ما يتشكك فيه البعض ممن خاضوا تجارب غير سارة، منهم فيولا شاستنت التي تدير المبيعات في فندق تمتلكه عائلتها في سانت لوسيا، إحدى جزر الأنتيل الصُغرى.
وبحسب ما تضمن تقرير نشره موقع «بي بي سي»، أظهرت شاستنت لزملائها في اجتماع عُقد أخيراً مراجعة عن الفندق في موقع «تريب أدفايزور»، وتضمنت تقييماً سيئاً، ولذلك سألت عن قصة العميل صاحب التقييم، وأخبرها زملاؤها بأن هذا العميل تردد على مكتب الاستقبال قبل ساعة من اجتماعهم، وطلب ترقية غرفته، وعند رفض طلبه لم يقل شيئاً، وصعد إلى غرفته ليتصل بالإنترنت ويُنفس عن غضبه من خلال التقييم السلبي.
ورأت شاستنت أن جانباً كبيراً من تقييم هذا العميل مُجحف، ويُمثل استجابة مباشرة على رفض طلبه أكثر من كونه انعكاساً عادلاً لوضع الفندق، كما أن لدى شاستنت شكوكاً حول بعض التعليقات الأخرى المنشورة في «تريب أدفايزور»، وتساءلت عن كيفية معرفة عميل لكلفة تجديد فندق. واعتبرت أن التقييمات تبدو وهمية على نحوٍ واضح حين تتضمن نوعاً من التفاصيل لا يمكن للعملاء معرفتها بسهولة.
وفي ما يتعلق بموقع «تريب أدفايزور»، دافع نائب الرئيس العالمي للمبيعات في الموقع، جوليو برونو، عن الآلية المتبعة لاكتشاف المراجعات الكاذبة، ورد مازحاً حول سؤال عن النظام الموضوع للتعرف إلى المراجعات الوهمية بالقول: «إذا أخبرتك فسيكون عليّ قتلك».
وأوضح برونو أن الشركة تستخدم خوارزمية سرية تُنفذ خطوة بخطوة فحصاً لاقتلاع المنشورات الغريبة من مراجعات المستخدمين، وشبهها بالتركيبة السرية لشركة «كوكاكولا»، ومطاعم «كي إف سي»، لكنه أكد على دعمها بمئات الموظفين الذين يتحققون من المواد التي يُشير إليها البرنامج، وقال برونو: «إننا نسميهم فريق سلامة المحتوى».
وكما يُمكن أن تتسبب المراجعات المُتحاملة السيئة في تراجع الإقبال على الخدمة أو المنتج، يمكن أيضاً للمراجعات الجيدة المتحيزة والكاذبة أن تؤدي بشراء المستهلك خدمة غير جيدة مدفوعاً بتقييم غير حقيقي. وتضمن تقرير «بي بي سي» عرضاً لتجربة زوجين بريطانيين (مايكل وديانا) في العقد السادس من العمر، ويقيمان في لندن.
ولجأ الزوجان إلى موقع «ريتد بيبول» للعثور على عامل يُصلح سقف منزلهما الذي يُسرب المياه، واختارا أحد الحرفيين من ذوي التقييمات الجيدة، ودفعا له 2000 جنيه إسترليني (12.2 ألف درهم)، لكن بعد أسبوع واحد من انتهاء عمله عاد السقف لتسريب المياه، ورفض العامل العودة للقيام بالمهمة كما ينبغي، وأظهر اختبار لاحق أن عمله جعل وضع السقف أسوأ.
واكتشف الزوجان أن الشخص الذي اختاراه عبر «ريتد بيبول» أسند المهمة دون علمهما إلى عامل آخر من الباطن، ما يعني أن المراجعات التي اطلعا عليها لا تعود للشخص الذي جاء إلى منزلهما لإصلاح السقف.
وبعدها تواصل الزوجان مع «ريتد بيبول»، وأغلق الموقع حساب العامل، لكن الزوجين دفعا 9000 جنيه إسترليني لإصلاح الخسائر التي تسبب فيها.
ومع الأسف للخسارة اعتبرت شركة «ريتد بيبول» أن التعاقد من الباطن لا يُخالف قواعدها، وقال الرئيس التنفيذي للشركة، كريس هافمان «من صالح العمال أن يتعاقدوا من الباطن أو يُسندوا العقود إلى من يعرفونهم ويثقون بهم فقط؛ نظراً لأن التقييم الذي يتركه صاحب المنزل سيلحق بالحرفي أو الشركة التي وظفت المتعاقد من الباطن».
وفي الوقت نفسه، أقر هافمان بمحاولة العمال التلاعب بنظام الموقع في بعض الأحيان، ومن أساليب التلاعب الادعاء بأنه أحد أصحاب المنازل، ويطلب العمل من نفسه، ويمنح عمله تقييماً. وأكد على اتخاذ شركته إجراءات لمنع مثل هذه المشكلات قبل حدوثها.
واعتبر هافمان أن التقييم السريع إشارة إلى خطأ ما، وقال: «إذا استخدمت منصتنا الساعة 4.30 مساء، فكيف يمكن أن تتلقى تقييماً على مشروع في تمام الساعة السابعة مساء؟»، وأشار إلى تحقق الموقع من عناوين «آي بي» أو «برتوكول الإنترنت»، والبصمة الرقمية للجهاز.
وفي السياق نفسه، يقول موقع «يلب» إنه يستخدم برمجية آلية يلحقها بإجراءات مؤلمة، وقال كبير مديري العلاقات العامة في الموقع، إليوت آدامز، إنه بمجرد ضبط أحد الأشخاص متلبساً، يتيح الموقع هذه المعلومات للمستهلكين، ويكشف عن الممارسات التجارية المشبوهة للجهة، لكن الضوابط التي تستخدمها مواقع المراجعات ربما لم تُقدم إجابة نهائية عن إمكانية أن يثق العملاء بها، ويعتمدون عليها في اتخاذ قرارات الشراء لسلع باهظة الثمن جداً.
وقال أستاذ مساعد للتسويق في جامعة «بوسطن» الأميركية جيورجوس زيرفس، إن بحثه أشار إلى تصاعد عدد المراجعات المشكوك فيها، وقال: «أصبحت المراجعات جزءاً لا يتجزأ من اتخاذ المستهلك للقرار»، وعبر عن اعتقاده بأنه يمكن للخوارزميات أن تصلح فقط في اكتشاف المراجعات المزيفة.
وأضاف زيرفس، أن صياغة مراجعة وهمية ذات مظهر مشروع ليست بالأمر العسير، كما أن من يصيغون المراجعات المزيفة يتطورون على نحو متزايد.