بعض الآباء والأمهات يعتبرون علاقة أطفالهم بالإنترنت والهواتف الذكية «شر لابد منه»

كتاب جديد يحث الآباء على استغلال الإنترنت لنفع أبنائهم

«الإنترنت» عالم افتراضي بقدر ما هي مكان حقيقي للتواصل. غيتي

ينظر بعض الآباء والأمهات إلى علاقة أبنائهم بالإنترنت والهواتف الذكية باعتبارها شراً لابد منه، بسبب الخوف من احتمال اطلاع الصغار على محتوى غير ملائم، أو تعرضهم للاحتيال، أو التأثيرات السلبية المحتملة في صحتهم البدنية والنفسية وعلاقاتهم الاجتماعية وتحصيلهم الدراسي، ويقلق الآباء من انفتاح شبكة الإنترنت وجاذبيتها مع صعوبة متابعتهم لأبنائهم طوال الوقت.

لكن الخبيرة في الإعلام الاجتماعي، الدكتورة بيكس لويس، ترى أن على الوالدين التوقف عن اعتبار الإنترنت برية موحشة تعج بالحيوانات المفترسة والمخاطر المحدقة بأطفالهم، وبدلاً من ذلك، ينبغي عليهم التفكير في كيفية الاستفادة منها لنفع أبنائهم، ومثلت هذه الفكرة محوراً لكتابها الجديد «تربية الأطفال في العصر الرقمي: تمتع بالأفضل وتجنب الأسوأ».

ولا تتجاهل لويس، الباحثة في الإعلام الاجتماعي والتعليم الإلكتروني في كلية «سانت جون» بجامعة «دورهام» البريطانية، المخاطر المتجددة التي يجلبها الفضاء الإلكتروني للشباب، لكنها تؤكد الفوائد العديدة للإنترنت حال توافر التوجيه السليم، وكتبت: «إنه مشهد يمتلك الكثير ليقدمه للشباب فقط إذا بينت لهم كيفية استخدامه بشكلٍ صحيح».

وتؤكد لويس، التي نشأت ضمن أسرة مُنع فيها التلفزيون، على دور الوالدين في جعل الإنترنت تجربة إيجابية لأطفالهم، وفي ألا يجعلوا خوفهم أو نقص معارفهم التقنية يحول دون استفادة أبنائهم، لأن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا نفسها، كما لا تمثل شبكة الإنترنت عالماً افتراضياً بقدر ما هي مكان حقيقي للتواصل: «ما يحدث على الإنترنت هو تكبير للطبيعة البشرية، إن المشكلة ليست في التكنولوجيا، وإنما في سلوكنا الخاص».

وتساعد هذه الفكرة على وضع الآثار السلبية للإنترنت ضمن السياق العام، واعتبارها أداة، وكغيرها من الأدوات، يمكن استخدامها لأغراض نافعة وأخرى ضارة، وقالت لويس: «شبكة الإنترنت هي أداة، تماماً مثل القرميد، الذي يمكنك أن تستخدمه إما في تحطيم نافذة أو بناء منزل».

ومثل الأدوات الأخرى أيضاً، ترى لويس أهمية وضع مدونة للسلوك الملائم لاستخدام الإنترنت، وإرشاد الوالدين لأطفالهما تماماً كما يتابعان تعلمهم المشي والسباحة، وقالت: «الإنترنت هي مكان يحتاج فيه الأطفال بشدة إلى التوجيه»، وأضافت: «أنت لن تغمر طفلاً في بركة السباحة إذا لم يكن باستطاعته السباحة».

وعرض مقال نشرته صحيفة «التلغراف» البريطانية بعضاً من نصائح لويس في كتابها، بدايةً من أن الأمر لا يتطلب من الآباء تفهم كيفية عمل الإنترنت تفصيلاً، فلا يلزم أن يستوعب الشخص دقائق ميكانيكا السيارات ليتمكن من قيادة سيارة.

وترى لويس، أنه يكفي استيعاب الوالدين للأدوات الرائجة، ما يُعمق ثقتهم بأنفسهم، ويتيح لهم إرشاد أطفالهم للمواقع الصحيحة.

وأشارت لويس إلى أهمية تنظيم استخدام الأطفال للإنترنت، مثلما يُحدد الآباء حدوداً معينة للطفل أثناء التنزه في حديقة، وبالتالي يمكن للوالدين تحديد مواقع معينة يزورها الطفل بعد النقاش معه، كما يمكن استخدام برمجيات لحظر مواقع ذات المحتوى غير الملائم، واعتماد الضوابط ذاتها مع الهواتف المحمولة.

ويُمكن للآباء تفعيل خاصية «البحث الآمن» في محرك البحث «غوغل»، على الرغم من عدم توفيرها الحماية الكاملة، واحتمال أن تحجب محتوى لا يضر الطفل، إلى جانب متابعتهم بين حينٍ وآخر لسجل بحث أطفالهم على الإنترنت.

لكن ذلك كله لا يعني أن يُمثل إرشاد الوالدين أوامر صارمة موجهة إلى الأطفال عليهم الالتزام بها وإلا تعرضوا للعقاب أو الحرمان من الإنترنت، بل يعتمد في المقام الأول على الحوار المنفتح والمستمر حول مختلف الأمور، وتتغير صور ومستويات الحوار مع تقدم الأطفال في العمر، وتوسيع مجال حرية التصرف تدريجياً، وترى لويس أن الاتصال بين الوالدين وأبنائهما هو السلاح الأكثر قوة وفاعلية لدى الآباء والأمهات.

وتحث لويس الوالدين على الحديث المتواصل مع الأطفال حول ما يكتشفونه على شبكة الإنترنت، دون إشعارهم بالرغبة في التطفل على مساحاتهم الخاصة. كما ينبغي إشعار الأطفال بالمسؤولية عن تصرفاتهم، وتعليمهم النقاط الأساسية لحماية أنفسهم، مثل ما يفعلونه حال تعرضوا لمضايقات كعدم التفاعل، والتواصل مع أحد البالغين الموثوق بهم.

وبالإضافة إلى الحوار والتحذير من مخاطر الرسائل النصية ذات المحتوى الفاضح، من المهم أن يتنبه الوالدان لأي تغيير في سلوك الأطفال قد يُشير لتعرضهم لإحدى ممارسات التنمر عبر الإنترنت كتلقي رسائل عدوانية وتهديدات، أو اتصالات غير لائقة ومحتوى خاص بالكبار.

وتنصح لويس الوالدين بالتواصل مع المدرسة، ومواقع إنترنت متخصصة في مواجهة التنمر الإلكتروني مثل «سيبر بولينج» و«بيت بولينج»، بالإضافة إلى تشجيع الطفل على عدم الرد على رسائل الكراهية، والاحتفاظ بصورة منها للاستخدام في أي شكاوى رسمية قد يتقدم بها مستقبلاً.

ومن بين أهم ما ينبغي على الأطفال تعلمه، خصوصاً مع تزايد استخدامهم للشبكات الاجتماعية، سبل الحفاظ على خصوصيتهم، وأن ما يشاركونه على الإنترنت من صور ومعلومات شخصية يصل –نظرياً- للعالم بأكمله، ما يعني أهمية التفكير قبل النشر، وإيقاف خصائص مثل إدراج الموقع الجغرافي والتاريخ مع الصور التي تُلتقط بواسطة الهواتف الذكية.

كما من المهم تفهم الأطفال أن الإنترنت، بصرف النظر عن افتراضيتها، ساحة حقيقية تكتسب تصرفات الأشخاص فيها الأثر نفسه لتصرفاتهم خارجها، وتنصح الدكتورة بيكس لويس بتشجيع الأطفال على نشر المعلومات الإيجابية فقط، وألا ينشروا أو يفعلوا شيئاً يعتبرونه غير مناسب خارج الإنترنت.

وتضمن كتاب «التربية في العصر الرقمي»، الذي صدر في شهر فبراير الماضي عن دار نشر «ليون هودسون» البريطانية، فصولاً متعددة بدأت بالحديث عن المخاوف من الفضاء الإلكتروني، وردود أفعال مشابهة طالما رافقت التقنيات الحديثة، كما تناول أهمية المعرفة الرقمية، وفوائدها لذوي الإعاقة. وعرض الكتاب بعضاً من أهم أدوات التقنية من مواقع التدوين، والشبكات الاجتماعية وسبل التعامل مع القوانين المتعلقة بالملكية الفكرية، وغيرها أثناء استخدام الإنترنت.

وقدم الكتاب نصائح للآباء وغيرهم من المتصلين بالأطفال كالأسرة والمعلمين، كما عرض معلومات حول الجانب الصحي، وعلاقات الأطفال على الإنترنت، وتنظيم استخدام الأطفال للهواتف المحمولة والألعاب.

 

تويتر