الذكاء الاصطناعي يلعب دوراً أكبر في تطوّر البريد مستقبلاً

تجارب لتحسين خدمات البريد الإلكتروني

صورة

على الرغم من الدور المهم الذي يحظى به البريد الإلكتروني في حياتنا المعاصرة، فإنه أحياناً ما يُحمّل المستخدمين بضغوط إضافية، من خلال تتابع الإشعارات بوصول رسائل جديدة، والعدد الكبير من الرسائل التي تتفاوت أهميتها، كما يختلط فيها الجانبان الشخصي والعملي.

وبعكس المقصود من البريد الإلكتروني، في المساعدة على الإنجاز وزيادة الإنتاجية، واستثمار الوقت على نحو أفضل، فإنه أحياناً ما يُسهم في تشتيت انتباه المستخدمين وتعطيلهم، ما دفع باحثين وشركات لتقديم أفكار جديدة لتحسين الخدمات الحالية، أو استبدالها بأخرى لا تضع ضغوطاً على المستخدمين، وفق ما تناول الكاتب كريس بارانويك، في مقال نشره موقع «بي بي سي ـــ فيوتشر».

وبدأت محاولات تطوير نظم البريد الإلكتروني قبل سنوات، بالتزامن مع إحباط المستخدمين من صناديق الوارد التي دائماً ما تمتلئ بالرسائل، ومع ذلك، فنادراً ما تكلل تلك المحاولات بالنجاح. وفي إشارة إلى تعدد الإخفاقات، قال كبير المهندسين في تطبيق البريد الإلكتروني «ميل بوكس»، شون بوسولي: «إنه طريق ممهد بالجثث».

ويستشهد بوسولي بتجربة «غوغل ويف»، التي أطلقتها «غوغل» عام 2009، وجمعت بين إمكانات الرسائل الفورية والبريد الإلكتروني والتواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من جاذبيتها للبعض، فإنها لم تُحقق شعبية واسعة.

ومنذ فشل «غوغل ويف» صارت التجارب الساعية إلى إعادة تصور البريد الإلكتروني أكثر تواضعاً، ومنها خدمة «شورت ميل»، التي اعتمدت فكرة مستوحاة من موقع التدوين المُصغر «تويتر»، ووضعت 500 حرف حداً أقصى لرسائل البريد الإلكتروني.

وركّز بعض المطوّرين على إعادة تصور الطريقة المألوفة لعمل البريد الإلكتروني، من خلال إضافة مزايا جديدة، مثل خيار التراجع عن الإرسال، كما هي الحال في خدمة «بلوتو»، التي أسسها طالبان في «كلية هارفارد للقانون».

واجتهدت محاولات أخرى للتركيز على جانبيّ الوضوح والإنتاجية، مثل «إنكي»، التي توفر واجهة استخدام مبسطة، وأيضاً إضافة القراءة السريعة في «ميل بيرد»، التي تتيح للمستخدمين النقر على زر أعلى الرسالة لتظهر كل كلمة على حدة في تتابع سريع، ما يُمكنهم من قراءة البريد الإلكتروني على نحو أسرع من الأسلوب المعتاد.

وبالنسبة للفريق المسؤول عن «ميل بوكس»، فمثل وعد المستخدمين بالهدوء المصاحب لصندوق بريد خالٍ من الرسائل جزءاً من استراتيجية في تسويق التطبيق.

وبحسب المنتجة في «ميل بوكس»، ليز أرمسترونغ، فإن التطبيق يتيح للمستخدمين تأجيل رسائل البريد الإلكتروني، لتظهر في وقت أكثر ملائمة.

وأوضحت أن «ميل بوكس» يُساعد على إرجاء بعض الأشياء، بحيث لا تُشغل مساحة في الدماغ بشيء لا يمكن للمستخدم التعامل معه في الوقت الراهن.

من جانبه، يُرجع شون بوسولي شعور العديد من الأشخاص بالإحباط من البريد الإلكتروني إلى اضطرارهم للتعامل مع اهتمامات متنافسة في صندوق البريد، فتتطلب بعض الرسائل إجراءات فورية، في حين لا يحتاج بعضها إلى ذلك. كما أن بعض الرسائل ترتبط بالعمل، وغيرها يتناول اهتمامات شخصية.

ولهذا السبب تتوافر حالياً بعض أدوات التراسل على الإنترنت المخصصة لفرق العمل، مثل «بيو كامب» و«سليك»، للتواصل سوياً بعيداً عن ازدحام الرسائل في صناديق البريد الوراد الخاصة بكل شخص.

وفضلاً عن هذه المحاولات، يرى آخرون أن الذكاء الاصطناعي سيكون العامل الأهم في تحديث خدمات البريد الإلكتروني.

وتساءل أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية، مارك دريدز، لفترة طويلة عمّا إذا كان الذكاء الاصطناعي سيُمثل الأمل الأهم للبريد الإلكتروني.

وفي عام 2008 شارك دريدز بصفة متدرب خلال الصيف في «غوغل»، وخلال عمله مع الفريق المسؤول عن خدمة «جي ميل» للبريد الإلكتروني، أدرك أن كثيراً من المستخدمين سيستفيدون شخصياً إذا ما أشارت خدمة البريد الإلكتروني إلى بعض الرسائل على أنها أهم من غيرها بصورة آلية.

وخلال العام نفسه، شارك دريدز في تأليف ورقة بحثية تناولت «البريد الإلكتروني الذكي»، وأوردت طرقاً يُمكن من خلالها تحسين خدمات البريد الإلكتروني لمصلحة المستخدمين. واقترحت الورقة من بين أمور عدة إضافة إمكانية تنبيه المستخدمين لنسيانهم إرسال المرفقات. وهو ما يتيحه حالياً «جي ميل» وغيره من خدمات البريد الإلكتروني، كما يستعين «جي ميل» بالخوارزميات لتحديد الرسائل التي يُحتمل أن تهم المستخدم.

ونقل مؤسس «شورت ميل»، ديف تروي، مفهوم التصنيف اعتماداً على الخوارزميات إلى مدى أبعد، من خلال خدمة «ميل ستورم»، وتتيح جمع رسائل البريد الإلكتروني والموضوعات من عدد غير محدود من المُرسلين في حزم، بناءً على المرسل والموضوعات التي تتضمنها، ما يسمح للمستخدمين الرد أو حذف مئات وآلاف الرسائل بعدد قليل من النقرات. وأعطى «تروي» مثلاً بأستاذ جامعي يتلقى 20 رسالة من طلابه تستفسر عن واجب دراسي، وحينها سيكون من السهل نسبياً إدراج جميع هولاء في وحدة واحدة ليُرسل إليهم الرد مع رابط.

وبالمثل، تتطور إمكانات الذكاء في «ميل بوكس»، فإذا ما رصد التطبيق قيام المستخدم بأرشفة الرسائل التي تصل من مُرسل معين على الفور، سيطلب الإذن ليقوم بذلك نيابةً عن المستخدم.

ويتصور «دريدز» من جامعة «جون هوبكنز»، أن يُمثل الإطلاع وتنظيم البريد الإلكتروني جزءاً من مهام المساعدين الشخصيين المعتمدين على الذكاء الاصطناعي، مثل «سيري» من شركة «أبل» و«كورتانا»، الذي أعلنت عنه «مايكروسوفت»، في المستقبل.

وحديثاً، ظهر نموذج لهذه التصور ضمن فيلم الخيال العلمي الأميركي «هير» أو «هي»، وفيه تفاجأ بطل الفيلم تيودور تومبلي، الذي أدى دوره الممثل جواكين فينيكس، بعرض نظام المساعدة الشخصية المعتمد على الذكاء الاصطناعي «سامانثا» بشكل فوري حذف آلاف من الرسائل في بريده الإلكتروني.

وطوال الفيلم، واصلت «سامانثا»، التي أدت دورها الصوتي الممثلة سكارلين جوهانسون، تحديد الرسائل المهمة وإدارة البريد الإلكتروني، وبدا كما لو أن تيودور لم يعد مضطراً إلى التحقق من بريده بنفسه.

فهل يمكن أن يمثل هذا السيناريو مستقبل البريد الإلكتروني؟

على كل حال، سيكون تسليم إدارة البريد الإلكتروني إلى عوامل الذكاء الاصطناعي خطوة مثيرة للاهتمام، لكن قد لا ينتهي الأمر بالانتصار على الشعور المزعج بالخضوع للبريد الإلكتروني، وإنما بتحويله من مزوّد الخدمة إلى طرف آخر.

تويتر