جوانب إيجابية لدراسات مواقع التواصل على المستخدمين
في نهاية يونيو 2014، كشف موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» عن نتائج دراسة عدّل فيها خلاصات الأخبار «نيوز فيد» الخاصة بنحو 700 ألف مستخدم، بغرض دراسة حقيقة عدوى المشاعر، ومدى تأثير المنشورات التي تُعرض لهم على حالتهم النفسية، الأمر الذي أثار غضباً وانتقادات واسعة النطاق رأت في الدراسة تلاعباً واضحاً من الموقع بمشاعر المستخدمين، وانتهاكاً لحقوقهم بإشراكهم في تجربة دون إعلامهم وموافقتهم.
وزاد من حدة الغضب إجراء «فيس بوك» الدراسة بالتعاون مع باحثين أكاديميين، ما يُمثل في رأي البعض انتهاكاً لقواعد مستقرة منذ فترة طويلة، تحمي الناس من استخدامهم في التجارب دون الحصول على موافقة مبنية على فهم للتجربة. وهو ما دفع وكالات أوروبية مسؤولة عن الخصوصية للتحقيق في ما إذا كانت دراسة «فيس بوك» تنتهك قواعد الخصوصية المحلية.
وانتهت الدراسة إلى أن عرض رسائل إيجابية بعض الشيء للمستخدمين في «خلاصات الأخبار» تدفعهم إلى كتابة منشورات إيجابية، وبالمثل، فإن الرسائل الحزينة تدفعهم إلى كتابة تحديثات ذات طابع حزين.
وبحسب مقال كتبه فرهاد مانغو في صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأميركية، فإن الدراسة كشفت دون قصد عما يعترف به عدد قليل جداً من شركات التكنولوجيا، وما يمتلكونه من قوة هائلة تتيح لهم المراقبة عن قرب، والاختبار، وحتى تشكيل سلوكنا، وهو ما يجري غالباً دون وعي منا بقدراتهم.
ومع ذلك رأى مانغو أنه ربما توجد طرق أخرى للنظر إلى دراسة «فيس بوك» وما ترتب على نشرها، وذلك بتسليطها الضوء على كيفية استخدامنا للإعلام الاجتماعي، وتوفيرها فرصة للفهم العميق لواحدة من أعمق أسرار السلوك البشري.
وفي الواقع، يوفر «فيس بوك» والعديد من مواقع الإنترنت الأخرى، حقول تجارب مزدهرة في مجال الاتصال الاجتماعي، ويعتقد العديد من الباحثين في العلوم الاجتماعية أن تحليل سلوكنا على الإنترنت قد يُتيح لهم التوصل إلى أسباب وكيفية انتشار الأفكار عبر المجموعات، وكيفية تشكيلنا لآرائنا السياسية، وما يدعونا للتصرف وفقاً لها، وحتى دراسة لماذ وكيف يشعر الناس بالحب تجاه آخرين؟
ولا يُعد «فيس بوك» فريداً في إجرائه تجارب على المستخدمين، إذ يشترك في ذلك مع شركات إنترنت أخرى تقوم بتجارب واسعة النطاق على المستخدمين لاختبار منتجاتها وغيرها من الأغراض التجارية الأخرى. لكن ما يُحسب لموقع «فيس بوك» ــ بحسب مانغو ــ تعاونه عادةً مع أكاديميين مهتمين بالبحث في تساؤلات لا تمت بصلة مباشرة لعمل «فيس بوك»، وأثمرت هذه الجهود العديد من النتائج المهمة في العلوم الاجتماعية.
ويرى مانغو أن من بين فوائد تشجيع أبحاث «فيس بوك» توفيرها فرصة لفهم قوة الإعلام الاجتماعي، وبالتالي يمكن أن نبدأ بمواجهة أسوأ الانتهاكات المحتملة لها. كما تُقدم الدراسة الأخيرة دليلاً يعتمد عليه النقاد الذين طالموا تحدثوا عن مدى قوة «فيس بوك» وحاجتها إلى تنظيم أو مراقبة.
وإذا كانت الإشكالية تكمن في إشراك «فيس بوك» للمستخدمين في الدراسة دون الحصول على موافقة صريحة منهم، فقد اعتذرت الشركة وقالت إنها ستبحث عن طرق لتحسين مبادئها الإرشادية لإجراء البحوث. وقال المتحدث باسم «فيس بوك»، جوناثان ثاو: «بعد رد الفعل عن الدراسة، فإننا نقوم بنظرة فاحصة جداً على هذه العملية».
وفي حال توصل «فيس بوك» إلى طريقة أكثر شفافية لإجراء الأبحاث، فإن ذلك سيفتح الباب لتساؤلات واهتمام بمعرفة ما الذي يمكن أن يفعله «فيس بوك» بالكم الهائل من المعلومات الذي يعرفه عن كل مستخدم، كما يمتد الأمر لمواقع أخرى مثل الرغبة في معرفة كيفية تخصيص «غوغل» لخوارزميات البحث لتعزز من تحيزات المستخدمين، وتأثير «نيتفليكس» على العروض التلفزيونية التي يشاهدها الناس.
وكتب مانغو: «بعد الاحتجاج ضد (فيس بوك)، ربما سنرى عدداً أقل من هذه الدراسات، وهو ما سيكون عاراً».
وفي السياق نفسه، يقول «فيس بوك» إن مستخدميه يوافقون على إجراء مثل هذه الاختبارات عند حصولهم على حسابات جديدة في الموقع، إلا أنهم لا يتلقون إشعارات إضافية حين يتم إشراكهم في التجارب، وربما من المشكلات المرتبطة بذلك أن الحصول على موافقة المستخدمين بصورة فردية قد تُعقد من النتائج، وهي مشكلة يواجهها الباحثون في العلوم الاجتماعية خارج الإنترنت والعلوم الطبية.
ولذلك دعا الأستاذ المساعد في كلية القانون في «جامعة واشنطون»، ريان كالو، الشركات إلى إنشاء نوع من مجالس التحقيق في الشكاوى أو التظلمات داخلياً ليُقيّم كل تجربة، ويوازن بين المخاطر المحتملة على المستخدمين والمنافع الممكنة.
وكثيراً ما تكون الأبحاث التي يجريها «فيس بوك» و«غوغل» بهدف تحسين منتجاتهما سرية، لكن «غوغل» اعترفت سابقاً بإجرائها نحو 20 ألف تجربة على نتائج البحث سنوياً.
وخلال السنوات القليلة الماضية، وسع «فيس بوك» ما يسمية بـ«فريق علوم البيانات» لإجراء عدد أكبر من الدراسات العامة. وقالت الشركة إن مهمة الفريق تكمن في تغيير فهمنا لعلم النفس الإنساني والاتصال، وذلك بدراسة الساحة الأكبر للالتقاء في عالمنا.
وفي عام 2012 نشر فريق البيانات في «فيس بوك» دراسة حللت ما يزيد على 250 مليون مستخدم، وحطمت نتائجها الخوف الذي دام لفترة طويلة من أن شبكات الإنترنت تعرض الأخبار التي تُعزز معتقداتنا، وتحصرنا داخل غرف نسمع فيها صدى أصواتنا. وعلى غرار الدراسة الجديدة، حذفت دراسة 2012 منشورات بعينها من خلاصات الأخبار الخاصة بالمستخدمين.
وفي تجربة أخرى أجريت في عام 2010، قسم «فيس بوك» بصورة عشوائية 61 مليون مستخدم أميركي إلى ثلاثة فرق في يوم إجراء الانتخابات، وعرض على بعضها مجموعة رسائل مختلفة غير حزبية تدعو للتصويت، بينما لم يتعرض بعضها الآخر لرسائل. وأظهرت النتائج دوراً كبيراً لرسائل معينة في دفع الناس للتصويت، وليس فقط من يستخدمون «فيس بوك»، بل أسهمت في دفع أصدقائهم خارج الموقع للتصويت.
واعتبرت الأستاذة المساعدة في كلية المعلومات وعلم المكتبات في «جامعة نورث كارولينا»، زينب توفيقي، أن العديد من هذه الدراسات يُسلط الضوء على القوة الهائلة لموقع «فيس بوك» على حيواتنا.
وقالت: «قرأت هذه، وقلت انتظر، (فيس بوك) يتحكم في الانتخابات»، مشيرة إلى القوة الحقيقية للموقع، مع مقدرته على حث الناس على التصويت بشكل فردي، وعمل نماذج لمعرفة الأشخاص الجمهوريين والديمقراطيين، وفي الوقت نفسه يحسم بضع مئات الآلاف من الناخبين في حفنة من الولايات.
واختتم فرهاد مانغو مقاله بالقول: «إذا كانت كل دراسة تُظهر قوة (فيس بوك) ستُقابل بالغضب تجاه قوته، فإن (فيس بوك) والمواقع الأخرى لن تكشف أية أبحاث حول كيفية عملها، أليس من الأفضل أن نعرف قوتها ونحاول مواجهتها، بدلاً من ألا نعرف شيئاً عن ذلك؟».