تطبيقات وتقنيات قابلة للارتداء تسعى إلى علاج التوتر
يسبب نمط الحياة الحديثة، بما يحمله من سرعة ونزعة استهلاكية وإمكانات اتصال أحياناً تتجاوز القدر المناسب والصحي، إضافة إلى أزمات اقتصادية واجتماعية وأسباب أخرى في مواجهة الكثير من الأشخاص، شعوراً دائماً بالتوتر والقلق والإجهاد.
ويتجاوز تأثير التوتر الحياة الشخصية إلى تبعات تشمل إنتاجية الفرد، ويصل مداها إلى بيئة العمل والاقتصاد ككل. وحسب بيانات «هيئة الصحة والسلامة» البريطانية، يضيع سنوياً نحو 10.4 ملايين يوم عمل بسبب التوتر المرتبط بالعمل.
وتُقدر منظمة الصحة العالمية خسارة الشركات الأميركية نتيجة التوتر بـ300 مليار دولار سنوياً.
ويرى البعض أن التكنولوجيا وأدواتها يُمكن أن تُساعدا الأفراد على التحكم في شعورهم بالقلق والتوتر، فمثلاً توفر شركة «غالفانك» Galvanic جهاز استشعار حيوياً باسم «بيب» Pip يُشبه المشغل الموسيقي «آي بود»، ومن خلال الإمساك به بين إصبعي السبابة والإبهام، يقيس مستويات التعرق والنشاط الكهربي للجلد المرتبط بمستويات التوتر، ليظهر بيانات مباشرة على الأجهزة الذكية كالهواتف من خلال الاتصال بتقنية «بلوتوث».
كما يُتيح «بيب» لمستخدميه ألعاباً عدة مثل «ريلاكس آند ريس»، وفيها يمنحهم شعورهم بالاسترخاء ميزة تنافسية. وتروي سيدة تجربتها لجهاز «بيب» نتيجة معاناتها مع القلق الذي زاد من آلام قرحة المعدة. وقالت «حرصت على تجربته، لكني لم أكن على يقين بنفعه لي». وبعد بضعة أيام، لمست السيدة تغييراً أدهشها، مضيفة «توقفت عن تناول عقار الاسترخاء الذي كنت أعتمد عليه بسبب القلق»، مشيرة إلى «أنه أداة رائعة للمساعدة على إراحة الجسم والعقل».
وتعود الأبحاث الساعية لتطوير «بيب» وبراءة اختراعه إلى عام 2007، إلا أن شركة «غالفانك»، (مقرها دبلن)، لم تنجح حينها في الاستمرار في ظل الكساد الاقتصادي.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة ديفيد إنغرام، إن «بيب» صُمم للمستخدمين الذين يسعون للتعامل مع شعورهم بالقلق من خلال توفير تعليقات حيوية فورية لتعلم أي الأساليب تجدي أكثر من غيرها لتنظيم القلق.
ومن بين أدوات التقنية للتعامل مع التوتر تبرز الأجهزة القابلة للارتداء، ومنها سوار المعصم «إنسايت» Insight الذي نشأ ضمن مشروع «ريد لوب» redLoop في جامعة «ميدلسكس» البريطانية. ولفت مدير المشروع، الدكتور أندي بارديل، إلى اختلاف معايير القلق بين ما يمكن قياسه وتدل عليها المؤشرات الحيوية الموثوقة، وبين معايير ذات طبيعة نوعية أكثر، وتعتمد أكثر على المريض.
وتتضمن المؤشرات القابلة للقياس موصلية الجلد أو الاستجابة الجلدية الكهربائية، وهو أسلوب لقياس التوصيل الكهربائي للجلد وهو ما يختلف بحسب قدر التعرق. ويعد جزءاً مما يعرف برد فعل الكر والفر، وهي الاستجابة الفسيولوجية لحدث طارئ كالتعرض لخطر ما. ويتراجع هذا المقياس عند ارتفاع مستويات الرطوبة، ويتصاعد عند صعود الدرج.
وأكد بارديل على أهمية توفير المعطيات الأساسية، فربما تراجع المعدل نظراً إلى ممارسة التمرينات أو لأن الشخص ليس على ما يرام، وليس بسبب زوال القلق.
ويتضمن سوار «إنسايت» أداة لمتابعة نبضات القلب وتطبيقاً يعمل مع هواتف «آي فون». وأشار بارديل إلى الحاجة للتحليل العرضي للبيانات مع وجود سجل لأماكن وأوقات ضربات قلب المستخدم.
ومن بين التقنيات القابلة للارتداء المستخدمة في إدارة التوتر عصبة للرأس باسم «مويس» Muse من إنتاج شركة «إنتراكسون» InteraXon الكندية. وقالت المعالجة النفسية والرئيسة التنفيذية للشركة، أرييل غارتن إن «مويس» تتضمن درجة من جهاز «التخطيط الكهربائي للدماغ» الذي يُسجل نشاطه الكهربائي في شكل أنيق ونحيف يُلائم المستهلك. وتتيح «مويس» للمستخدم متابعة نشاط دماغه في الوقت الحقيقي عبر تطبيق للهاتف الذكي أو الحاسوب اللوحي.
وعموماً، أسهم في زيادة الاستعانة بالتكنولوجيا للتعامل مع التوتر والضغوط الانتشار الواسع وسهولة الوصول إلى الأجهزة الذكية، التي ترتبط بها أدوات مثل «بيب» و«إنسايت» و«ميوس» بواسطة تقنية «بلوتوث». ويستفيد نهج آخر لإدارة التوتر من الشبكات الاجتماعية.
وعلى سبيل المثال، أسست جنيفر هيات موقع «بيغ وايت وول» Big White Wall، وهو شبكة اجتماعية تدعم إخفاء الهوية، وتسعى لدعم المستخدمين في إدارتهم لصحتهم النفسية، ويهدف نصف مستخدمي الموقع للتخفيف من شعورهم بالقلق. وأطلقت هيات «بيغ وايت وول» عقب انتحار شريك أحد أصدقائها، يدفعها إيمان بدور التكنولوجيا في توفير الدعم وأدوات العلاج. ويُوفر الموقع في أعلى مستوياته منصة آمنة شبيهة بتطبيق «سكايب»، بما يسمح للعضو بالاتصال مباشرة بالطبيب بشأن مشكلته. ويتضمن «بيغ وايت هول» مستويات متوسطة تتيح دورات تتناول العلاج المعرفي السلوكي للتعامل مع القلق. وفي المستويات الأقل، يُمكن للأعضاء الكتابة، وتكوين المجموعات، ومصادقة الآخرين مع إخفاء هويتهم، إضافة إلى متابعة حالتهم وفقاً لاختبارات مثل تقييم ذاتي لاضطراب القلق العام Generalized Anxiety Disorder assessment أو GAD 7.
وقالت هيات إن لدى «بيغ وايت وول» 4500 مستخدم نشط شهرياً، اختلفت فئاتهم العمرية مع تطور الموقع، ففي حين شكل من تقل أعمارهم عن 25 عاماً 40% من المستخدمين في البداية، يُشكل حالياً النسبة الأكبر من تراوح أعمارهم بين 35 و44 عاماً، كما تتزايد سريعاً نسبة من تتعدى أعمارهم 55 عاماً.
وتُمثل منصة «بدي» Buddy للهواتف المحمولة مثالاً آخر. وتعتمد على الرسائل النصية القصيرة. وأشار المسؤول عن المشروع، سيد أبرار، إلى سمة الكتمان في الرسائل النصية، فيُمكن للمستخدمين أثناء الوجود في مقهى أو بصحبة والديهم التعبير عن مشاعرهم بطريقة معاصرة.
وقال أبرار إن مستخدمي «بدي» يتلقون رسائل نصية تستعلم عن شعورهم وما يقومون به، بما يتيح لاحقاً التوصل إلى روابط بين الأنشطة التي يقومون بها ومشاعرهم.
لكن المحاولات المختلفة لاستخدام التكنولوجيا في التحكم في التوتر تُواجه تحديات منها اختلاف السرعة التي تتطور بها التقنيات الخاصة مقابل تطور الأبحاث التي يُجريها القطاع العام. وقالت المحاضرة في علم النفس في جامعة «ميدلسكس»، الدكتورة ليزا مارزانو «يعمل القطاع الأكاديمي وهيئات التمويل ومجالس البحث بمعدل مختلف جداً وأبطأ بكثير عن مجال الحوسبة».
وتبعاً لذلك، يعرف الباحثون قدراً قليلاً نسبياً عن مدى فاعلية أدوات التعامل التقنية مع التوتر، وتجارب المستخدمين معها في حياتهم اليومية، فضلاً عن دمجها في التدخلات العلاجية القائمة للصحة العقلية. وقالت سارة أماني من «شبكة أوكسفورد للعلوم الصحية الأكاديمية»: «حين يكون لديك شيء يتطور سريعاً جداً، فمن الصعب حقاً قياس تأثيره قبل أن يتطور مجدداً».
ومن التحديات ذات الصلة التعرف إلى المطورين الجيدين، وفي هذا الصدد يُعقد الشهر المُقبل في لندن مؤتمر يتناول أطر عمل لتقييم تطبيقات الصحة العقلية يستضيفه مشروع «مايند تك» الذي اشترك في تأسيسه جامعة «نوتينغهام» و«هيئة الخدمات الصحية الوطنية» في مقاطعة نوتنغهامشير البريطانية.