10 سنوات أحدثت تغييراً جذرياً في طرق تنقّل الأشخاص وتخطيطهم لرحلاتهم
مليار شخص يستخدمون «خرائط غوغل»
بدأت خدمة «خرائط غوغل» قبل 10 سنوات، وعلى الرغم من أنها لم تكن الأولى من نوعها، وبالطبع تبعها آخرون، إلا أنها أحدثت تحولاً لا يُمكن تجاهله في مجال الخرائط الرقمية. وصارت، بعدد مستخدميها الذي يتجاوز مليار شخص، نقطة التقاء حقيقية بين العالمين الملموس والرقمي.
وأسهمت «خرائط غوغل» في إحداث تغيير جذري في طرق تنقل الأشخاص وتخطيطهم لرحلاتهم، وأعفت كثيرين من اتباع توجيهات شفهية وتعليمات مكتوبة لا تُجدي نفعاً في كثيرٍ من الأحيان، فضلاً عن دورها المحوري في تطبيقات لا حصر لها في السفر والإغاثة والأعمال.
ونظراً إلى الشعبية المتزايدة التي تحظى بها الخرائط الرقمية، فضلاً عن الانتشار الواسع للهواتف الذكية، فقد تحولت الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وأجهزة الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية إلى «مُرشدين» يستعين بهم البشر في قيادة السيارة والسفر وزيارة المتاجر، كما تضمن تقرير كتبه صموئيل جيبس في صحيفة «الغارديان» البريطانية.
خرائط رقمية
وعلى الرغم من أن الشبكة العنكبوتية العالمية دعمت منذ عام 1993 أولى الخرائط على الإنترنت، فإن الخرائط الرقمية لم تحظ بانتشارٍ واسع سوى بعد سنوات مع انطلاق «خرائط غوغل». وبدأت قصتها حين توجه الشقيقان الدانماركيان لارس وجينس إيلتروب راسموسن إلى «غوغل» بفكرة إنشاء تطبيق لـ«ويب»، لا يقتصر على عرض خرائط ثابتة، وإنما يُوفر أيضاً إمكانات البحث، والتمرير للتركيز على بعض أجزائها، وتكبيرها.
ولقيت الفكرة قبولاً، واستحوذت «غوغل» بالفعل على شركتيهما «وير 2 تكنولوجيز» Where 2 Technologies، إضافة إلى شركة «كي هول» Keyhole المعنية بتطوير برنامج للتصور الجغرافي المكاني، ظهر لاحقاً باسم «غوغل إيرث».
وبعدها عمل فريق تألف من 50 شخصاً على تطوير «خرائط غوغل» التي بدأت بالولايات المتحدة في الثامن من فبراير 2005، وبعد شهرين شملت المملكة المتحدة. وحينها لم تكن «خرائط غوغل» الأولى من نوعها، بل حازت «ياهو» فضل السبق بإعادة تطوير «خرائط ياهو» في عام 2004.
لكن البداية المُبكرة لا تضمن وحدها النجاح والانتشار، وهو ما ينطبق على «خرائط غوغل». وبحسب ما قال رئيس واجهات برمجة التطبيقات في «هيئة المساحة البريطانية»، جاري جيل، فقد سبقت «ياهو» «غوغل» في خرائط الـ«ويب»، وأطلقت «ماب كويست» أولاً وهي «خدمة الاتجاهات»، إلا أن ذلك لم يلفت اهتمام المستخدمين إلى حين ظهور «خرائط غوغل».
وتابع جيل: «لم تكن الأولى، لكن لا يُمكن غض الطرف عن دور (خرائط غوغل) في تغيير الخرائط الرقمية، وإكسابها الشعبية، وإخراجها من النطاق التقني إلى الوعي العام».
ولاحقاً في عام 2005، أطلقت «غوغل» اتجاهات إرشادية لقيادة السيارات والمواصلات العامة، لكن جون هانكه يرى أن صور الأقمار الاصطناعية هي ما بينت مدى التزام الشركة تجاه المشروع. وشارك هانكه في تأسيس «كي هول» التي استحوذت عليها «غوغل»، وشغل منصب نائب رئيس قسم منتجات الجغرافيا المكانية في «غوغل» حتى عام 2011.
وقال هانكه إن الهدف تمثل في تطوير خريطة سلسة للعالم يُمكن تصفحها، أو كما قال: «كرة أرضية تستطيع تصفحها».
وجاءت أيضاً فكرة «غوغل ستريت فيو» أو «عرض الشوارع» التي تُعد إحدى أكثر ميزات «خرائط غوغل» شعبيةً وأكثرها إثارةً للجدل في الوقت نفسه. وأطلقتها الشركة أولاً في عام 2006 لعددٍ من المدن الأميركية، ثم توسعت في عام 2008 إلى أوروبا وأستراليا واليابان.
وتعتمد «غوغل ستريت فيو» على تجميع صور لمختلف الشوارع بواسطة سيارة مُجهزة بكاميرا خاصة، ومجموعة من أجهزة الاستشعار، منها ما يختص بنظام تحديد المواقع العالمي «جي بي إس»، ما أتاح لشركة «غوغل» تتبع الوجهات، وكفاها الحاجة إلى الاعتماد على بيانات أطراف خارجية.
والتقطت الكاميرات صوراً لإشارات الطرق، وأرقام المنازل، وبيانات أخرى لا يُمكن رؤيتها من صور الأقمار الاصطناعية، ووفر ذلك معلومات محلية عن الأماكن التي لا تسمح بالاستدارة عكس الاتجاه، وحدود السرعة وغيرها من قواعد السير. ومثل كلُ ذلك جزءاً مما أطلقت عليه «غوغل» الحقيقة من الأرض، واستهدفت تشكيل أكثر الخرائط دقةً وتفصيلاً قدر الإمكان.
ورافقت «خرائط غوغل» الهواتف الذكية منذ مُستهل مسيرتها، وظهرت في أول هواتف «آي فون» عام 2007، وحينها غلبت الشراكة على العلاقة بين «غوغل» و«أبل» أكثر من التنافس كما هي حالهما اليوم.
وقال «جيل» لافتاً إلى التأثيرات الإيجابية للهواتف الذكية على الخرائط: «مثلت الهواتف الذكية لحظة التجلي الرئيسة التي أعادت الناس إلى حب الخرائط مُجدداً»، وأضاف: «تُعد الخرائط الرقمية ضرورية للحياة اليومية. لن تشتري هاتفاً ذكياً دونها».
وطورت «غوغل» من خدمة الخرائط، وأضافت اتجاهات فورية أثناء الحركة من خلال نظم الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية، وتقييمات المطاعم من موقع «زاجات»، وتحديثات لحالة المرور، ووسعت نطاق «ستريت فيو» ليشمل القنوات المائية في مدينة فينيسيا أو البندقية في إيطاليا، وأخدود «غراند كانيون» في ولاية أريزونا الأميركية.
عقوبات أميركية
لكن الواقع أن هذه التطورات لم تمض دائماً على نحوٍ سلس، ففي عام 2010 كُشف النقاب عن جمع سيارات «ستريت فيو» معلومات حول الشبكات اللاسلكية للاتصال بالإنترنت «واي فاي» خلال تجولها في شوارع المدن الأميركية والأوروبية، ما أدى إلى فرض السلطات الأميركية غرامة على «غوغل» بقيمة سبعة ملايين دولار. ومع توسع الخدمة إلى أوروبا، لاسيما ألمانيا، رفض أصحاب المنازل التقاط الصور لممتلكاتهم، ونشرها على الإنترنت ليراها العالم دون إذنٍ منهم.
وأرجع هانكه تلك المشكلات إلى حداثة التجربة برمتها: «كنا نقوم بشيءٍ لم يسبق لأحد فعله»، لافتاً إلى أن الناس في ما مضى تقبلوا تجول المساحين مزودين بأجهزة قياس المسافات ومعدات المسح، وهي مهمة تُنجزها حالياً السيارات المُزودة بالكاميرات. وقال هانكه: «بالنسبة لنا، كانت عملية تعلم، الفكرة بأكملها عن التصوير في الأماكن العامة وما تعنيه. كانت صدمةً ثقافية كبيرة، وكنا جزءاً منها».
منافسة قوية
وحالياً لا تقف «خرائط غوغل» وحدها في ميدان الخرائط الرقمية، بل تُواجه منافسةً متواصلة يأتي بعضها من تطبيقات لأطراف خارجية مثل تطبيق السفر «سيتي مابر» Citymapper الذي يستعين ببيانات «خرائط غوغل»، بينما كوّن منافسون آخرون معلوماتهم الجغرافية المكانية الخاصة.
وبدلاً من التعاون في ما بينهما مع إطلاق أول هواتف «آي فون»، تحولت شركة «أبل» الأميركية إلى منافسة «خرائط غوغل» ابتداءً من عام 2012، حين أعلنت التخلي عنها لمصلحة تطبيقها الخاص «خرائط أبل»، وسرعان ما تعلمت الشركة الأميركية أن توفير خدمة موثوق بها للخرائط ليس بالأمر السهل كما يبدو، واضطر رئيسها التنفيذي، تيم كوك، للاعتذار علناً عن المنتج الجديد المملوء بالعثرات. وعملت «أبل» على تطوير خرائطها لتكتسب شعبيةً متزايدة باعتباره التطبيق الافتراضي للخرائط على أجهزة «آي فون» و«آي باد» وأجهزة «ماك».
كما حسنت خرائط «بينج» من شركة «مايكروسوفت» من عرض الصور الجوية من أعلى لأسفل، ووفرت ميزة «منظور عين الطائر»، ما يسمح للمستخدمين بمشاهدة الشوارع والمباني من زاوية 45 درجة.
وفي ما يتعلق بشركة «نوكيا»، فقد استحوذت في عام 2007 على شركة «نافتك» Navteq الأميركية المتخصصة في نظم المعلومات الجغرافية، وأحد أبرز مزودي خرائط الملاحة الإلكترونية ونظم الملاحة للسيارات، وهو ما أفاد «نوكيا» في تطوير خرائط دقيقة للغاية، وبيعها لشركات أخرى منها «بي إم دبليو» و«أمازون» و«جارمين».
وبعيداً عن تطبيقات الخرائط التجارية، تبرز مشروعات تعاونية مثل «أوبن ستريت ماب» Open Street Map الذي يُوفر خرائط مجانية وقابلة للتعديل، وتعتمد أساساً على إسهامات المستخدمين لتصويب الأخطاء على غرار أسلوب عمل موسوعة «ويكيبيديا».