مساعٍ للموازنة بين حرية الأطفال في استخدام الإنترنت وحمايتهم

يُثير الحديث عن المخاطر التي يتعرض لها الأطفال في العالم الرقمي عند استخدامهم للإنترنت قلقاً بالغاً لدى أطراف عدة، كالآباء والمربين والمسؤولين عن تنظيم مجال التقنية، فضلاً عن مطوري التقنيات ومنتجيها. وتبدو المسألة معقدة، فحرية الأطفال في استخدام الإنترنت تحمل معها مخاطر جمة من المضايقات الإلكترونية إلى الصور غير الملائمة، إضافة إلى أخطار أخرى قد تنجم عن التعرف إلى أشخاص غرباء.

ومن ناحية، يصعب تجاهل فوائد استخدام الإنترنت ودوره في تطوير بعض المهارات الاجتماعية والحركية والعلمية لدى الأطفال، لكن من ناحية أخرى، لا يُمكن الاعتماد فقط على مراقبة الوالدين، وتحديدهما التطبيقات المسموح باستخدامها، واستبعاد المحتوى غير الملائم.

وتتمثل الغاية الأهم في توفير الاتصال بالإنترنت للأطفال وحمايتهم في الوقت ذاته، وهو أمر ليس بالسهل بالنظر إلى تخلف اللوائح المنظمة عن التقدم التقني الحالي وصعوبة تطبيقها، ولذا قد يكمن الحل في التعليم بما يتعدى مرحلة الرقابة الأبوية إلى بناء الوعي.

وعلى الجانب الآخر، تُوفر مخاوف الآباء حول استخدام أطفالهم للإنترنت فرصاً لتطبيقات وأدوات تقنية تجارية تعد الآباء بالمساعدة في حماية أطفالهم، مثل «تين سيف» TeenSafe التي وصل عدد مستخدميها في أميركا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا إلى 800 ألف مستخدم.

لكن فكرة المراقبة ليست دائماً الحل الأمثل، وتتضمن جوانب قانونية وأخلاقية، وتحظرها قوانين العديد من الدول باستثناء حالات محددة كتحقيقات الشرطة، ولذلك تُعلن تطبيقات مثل «موبيستيلث» Mobistealth و«مسبي» Mspy على مواقعها إخلاءها لمسؤوليتها، وتحث على ضرورة الحصول على موافقة أصحاب الأجهزة قبل تثبيت التطبيقات عليها، وهي نقطة يمكن تجاوزها في حال كان الآباء أنفسهم هم ملاك الأجهزة.

وبعيداً عن الجانب القانوني، فيُمكن للأطفال والمراهقين المولعين بالتقنية والبارعين فيها إيجاد حل تقني لتجاوز آليات المراقبة التي يستخدمها الآباء في حال رغبوا في ذلك، فضلاً عن جانب أخطر، وهو المنظور الأخلاقي، إذ إن فكرة متابعة الوالدين لأبنائهم قد تعني ضمنياً انعدام الثقة بين الطرفين، الأمر الذي يضر بالعلاقات الأسرية.

وتتلخص المشكلة في حاجة الآباء إلى السماح لأطفالهم ببعض الحرية في استخدام الإنترنت، مع الحذر والتيقظ في الوقت نفسه، لاسيما في حالة الأطفال الصغار. وبحسب تعبير أم لطفل من محبي التكنولوجيا في الثامنة من عمره: «لا نريد أن ينقروا على رابط، ويخسروا براءتهم دون قصد».

وأشار الشريك في شركة «أولسوانغ» Olswang القانونية التي توفر استشارات لمطوري ألعاب المحمول، أنتوني والر، إلى أن قواعد الخصوصية تُشكل الجانب التنظيمي الأهم لدى مطوري الألعاب الموجهة للأطفال. وأضاف والر أن أنجح ألعاب الإنترنت المصممة للأطفال لا تتضمن تفاعلاً بشرياً، ويستخدم اللاعبون شخصيات رمزية أو «أفاتار»، دون أن يُطلب منهم مشاركة تفاصيل شخصية أو معلومات للاتصال.

ولفت والر إلى نهج شركة «ديزني» في توفير «حائط» حول لعبتها «نادي البطريق» Club Penguin، وهي إحدى ألعاب تقمّص الأدوار كثيفة اللاعبين على الإنترنت. وعلى الرغم من تواصل الشخصيات الرمزية للاعبين معاً، تجري متابعة الموقع، واستبعاد أي لاعب يتصرف على نحوٍ غير ملائم من اللعبة.

كما تنشر اللعبة إرشادات للأطفال بالفيديو تتضمن توجيهات للإبلاغ عن أي لاعب لا يلتزم بالقواعد، إضافة إلى لغز يهدف إلى تحذير اللاعبين من مشاركة معلوماتهم الشخصية مع الآخرين. وقال والر إنه ينبغي لمطوري الألعاب التي تستهدف الأطفال أقل من 14 عاماً التفكير في قواعد الدعاية والمستهلكين.

ولا يتعلق الحديث عن سلامة الأطفال على الإنترنت بأمنهم الشخصي فقط، بل أيضاً بحمايتهم من الدعاية غير الملائمة وعروض الشراء عن طريق الإنترنت. وتكررت حوادث لأطفال اشتروا ميزات وخدمات بمبالغ مالية كبيرة ضمن الألعاب والتطبيقات.

ويُعد ذلك أثراً سلبياً لنموذج العمل المعروف باسم «فريميوم» freemium الذي يُوفر التطبيقات والألعاب للتنزيل المجاني، لكن يتضمن عرض خدمات ومزايا إضافية مقابل المال، ومن ذلك ألعاب مثل «كاندي كراش ساجا»، وأيضاً شراء الرموز التعبيرية الخاصة أو «إيموجي» لإرسالها ضمن الرسائل القصيرة.

وغالباً ما يحدث ذلك من خلال سماح الوالدين للأطفال باستخدام الألعاب على الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية الخاصة بهم. وسابقاً حذرت دراسات من آثار إفراط الأطفال في استخدام الهواتف الذكية في إعاقة نموهم الاجتماعي والعاطفي.

ويستخدم الأطفال ألعاب الهواتف الذكية لرؤيتهم آباءهم يقومون بالأمر نفسه، فكثيراً ما يتجه الوالدان إلى تفقّد هواتفهم عند الشعور بالملل مثلما يحدث عند انتظار المواصلات العامة، ويفعل الأطفال الأمر نفسه. وحتى قبل الإنترنت والأجهزة المحمولة، طالما عمل الآباء والأمهات على البحث عن تسلية لأطفالهم خلال الرحلات الطويلة أو عند رغبتهم في التركيز على أمور أخرى. وعند التحول إلى المجال الرقمي، تزايد ارتباط الأطفال عاطفياً بالأشكال الجديدة للتسلية.

ويتقاسم المسؤولون عن تنظيم تطوير الألعاب والشركات المنتجة المسؤولية عن استخدام الأطفال للتكنولوجيا الرقمية. وفي فبراير من عام 2014، أعلنت «المفوضية الأوروبية» عن تحقيقها في التطبيقات التي تتبع نموذج «فريميوم»، لاسيما في مجال الألعاب التي تتوجه إلى الأطفال، وطلبت من شركتي «أبل» و«غوغل» عدم تصنيفها ضمن التطبيقات المجانية.

وكانت «أبل» وافقت في يناير من العام الماضي على إعادة 32.5 مليون دولار للمستهلكين نظير مشتريات ضمن التطبيقات أجراها أطفالهم. وأطلقت الشركة، قبل أيام، قسم «ادفع لمرة واحدة والعب» للألعاب المجانية في متجر «أب ستور»، أي التي لا تتضمن خيار «المشتريات ضمن التطبيقات».

ويعتقد الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في وكالة «ديجيتال لبي» DigitasLBi للتسويق، سكوت روس، بضرورة اختلاف المنتجات والتطبيقات التي يستخدمها الأطفال عن تلك المُصممة للبالغين، نظراً لاختلاف استخدام الأطفال للتكنولوجيا. واعتبر روس أن تمتع الأطفال بحب الاكتشاف والفضول قد يعني نجاحهم في تجاوز الأدوات التقليدية لتصفية المحتوى.

وأضاف روس أن توفير إصدارات مناسبة للأطفال من التطبيقات، أي التي تخلو من الإعلانات وخيارات الشراء، يُمثل فرصةً تجارية للمطورين والمسوقين، إذ يسعى الآباء إلى توفير تجربة رائعة لأطفالهم، وسيُدركون قيمة إنفاق قليل من المال نظير منتجات تعتبر الأطفال جمهوراً مختلفاً، ما يعني وضع الآباء كمورد للتسويق لم يُستغل بعد.

ونبّه والر إلى أهمية استفادة المطورين من المنتديات الحالية على الإنترنت لتحديد ماهية التجارب المختلفة للأطفال، مشيراً إلى توافر الفرصة أمام مُقدمي خدمات الهواتف الذكية لإتاحة وضع صديق أو مناسب للأطفال يُمكن تفعيله وإيقافه على غرار «وضع الطيران» في الهواتف، وذلك لمنع المحتوى غير الملائم وخيارات الشراء ضمن التطبيقات.

الأكثر مشاركة