جذبت مهتمين وممولين ومشاهير من أنحاء العالم
«التقنية» و«الإعلام الاجتماعي» يغيّران سُبل جمع التمويل والتبرعات
غيّرت التقنية الرقمية ومواقع الإعلام الاجتماعي كثيراً في سُبل جمع التبرعات والتمويل للمنظمات الخيرية، ففي الماضي القريب تطلب جمع مبالغ صغيرة وضع صندوق والإعلان وسط الشوارع والتجمعات، بينما يُمكن حالياً جمع مبالغ مالية كبيرة من ملايين الأشخاص عبر تبرعات صغيرة تجري بسهولة عبر الإنترنت.
ويتفق العديد من العاملين في المنظمات غير الهادفة للربح والمؤسسات الإنسانية، على التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا والشبكات الاجتماعية في مجال جمع التمويل، فأتاحت مواقع التمويل الجماعي مثل «كيكستارتر» و«إنديجوجو» للأفراد والمنظمات، إطلاق حملات لجذب التبرعات بسهولة وبكلفةٍ ميسورة، مع إمكانية انتشارها إلى جماهيرٍ عريضة لا تقتصر على بلدٍ أو منطقة بعينها.، بحسب ما تضمن تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية.
«تحدي دلو الماء»
وشكلت حملة «تحدي دلو الماء المُثلج» نموذجاً على دور الإعلام الاجتماعي في نشر الأفكار والحملات الخيرية لملايين الأشخاص في مختلف أرجاء العالم. واستهدف التحدي جمع التبرعات لمصلحة مؤسسة معنية بمكافحة مرض «التصلب الجانبي الضموري» الذي يُتلف الجهاز العصبي تدريجياً.
وتطلب التحدي أن يسكب المُشارك دلواً من الماء المثلج على رأسه ويتبرع بـ100 دولار، ويتحدى آخرين للقيام بالمثل مع تصوير نفسه، ونشر المقطع عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، في وقت جذبت فيه الحملة اهتمام الملايين حول العالم، لاسيما مع مشاركة الكثير من المشاهير، ونجحت في جمع ملايين الدولارات.
التبرعات عبر الإنترنت
وتنمو التبرعات عبر الإنترنت بوتيرةٍ سريعة، إذ قدّر مُدير التحليلات في مؤسسة «بلاكبود» المعنية بتوفير البرمجيات والخدمات للمنظمات غير الهادفة للربح، ستيف ميكلوكلين، أن أكثر من 20 مليار دولار تُمنح سنوياً عبر الإنترنت للمنظمات غير الربحية، ما يُمثل مصدراً ضخماً للدخل.
وفضلاً عن سهولة تنظيم الحملات ونجاحها في جذب مبالغ كبيرة، فإن سرعة جمع الأموال تعد ميزةً إضافية يُوفرها الإعلام الرقمي للمؤسسات الخيرية، خصوصاً منظمات الإغاثة من الكوارث. ومع ذلك، يتوجب على مثل هذه المؤسسات التحرك سريعاً؛ نظراً إلى تفضيل أغلب الأشخاص تقديم تبرعاتهم في الأيام التي تلي الكوارث مباشرةً.
وقال ميكلوكلين: «حين تقع الكوارث الكبرى، كما شهدنا مع زلزال نيبال، يتجه المانحون أولاً إلى الإنترنت، وبذلك يجب أن يكون برنامجك الرقمي مُعداً للنشر في أي لحظة من دون سابق إنذار».
وتُدرك المنظمات الخيرية أن جانباً من قوة وسائل الإعلام الرقمي تكمن في ما تُوفره لها من إمكانية عرض قصص مُقنعة عن أهدافهم وأعمالهم. وتعي المُنظمات البارعة أن ذلك الأمر يجاوز مجرد نشر الصور والنصوص على الإنترنت.
الحفر الكبير
بدورها، قالت الرئيسة التنفيذية المؤقتة لمنظمة «ريسوري أليانس» العالمية، كيلا شاوير: «تُحاول الجمعيات الخيرية التوصل إلى سُبل لتقديم تجارب للمانحين في الوقت الحقيقي». وتُمثل «ريسورس أيلانس» شبكة عالمية تهتم بمساعدة المنظمات غير الهادفة للربح على جمع التمويل.
ولفتت شاوير إلى نموذج حملة باسم «بيغ ديغ» Big Dig، ما يعني «الحفر الكبير»، أطلقتها منظمة «ووتر إيد» المهتمة بتوفير المياه النقية الصالحة للشرب والنظافة والصرف الصحي. واستعانت الحملة بالهواتف الذكية ومنصات للنشر على الإنترنت مثل «إنستغرام» لمتابعة حفر الآبار في ملاوي، بداية من مرحلة الإنشاء حتى اللحظة التي تعمل فيها الصنابير وتصل المياه إلى السكان.
وقالت شاوير: «تمكن المانحون من المشاركة في كل خطوة من الطريق، ولم ينجح ذلك فقط في جمع كثير من المال للأعمال الخيرية، لكنه أشعر الجهات المانحة أيضاً أنهم جزء من الأمر».
وأحياناً ما يكون لارتباط المانحين مباشرةً بالأهداف الخيرية تأثير فعال. وعلى سبيل المثال، يُتيح موقع «دونرز تشوز» DonorsChoose.org في الولايات المتحدة للمُساهمين تمويل مشروعات ينشرها معلمون عبر الموقع، وتتنوع بين تمويل شراء الكتب وأدوات تكنولوجيا المعلومات وتمويل الرحلات الميدانية. وحتى العام الجاري، نجح الموقع، الذي تأسس في عام 2000، في جمع 225 مليون دولار ساعدت أكثر من 175 ألف معلم في تنفيذ 400 ألف مشروع.
تحديات وتميز
وبطبيعة الحال، وكما أتاحت التقنية الرقمية آفاقًا جديدة في مجال جمع التبرعات، فإنها أنشأت تحديات مختلفة؛ إذ تحتاج المؤسسات الخيرية، لبدء أنشطتها على الإنترنت، إلى موظفين مؤهلين للتعامل مع العديد من قنوات الإعلام الاجتماعي مثل «يوتيوب» و«فيس بوك» و«إنستغرام» و«بنترست».
وعلقت الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «تِك سوب غلوبال» التي تربط بين المنظمات غير الربحية ومنتجات التكنولوجيا ومواردها، ريبيكا ماسيسك، بقولها: «لا يتعين عليك أن تكون مُحترفاً، لكن هذه مهارات تحتاج إليها داخل منظمتك لأن عليك بذل المزيد من الجهد في مزيدٍ من الأماكن».
وفي ظل تزايد المنافسة على نيل الاهتمام والتمويل، فإنه يتوجب على المؤسسات الخيرية الاجتهاد في تصميم حملات يُمكنها التميز وسط مجال مزدحم. ومن نماذج الحملات الحديثة فكرة «تشيد ليبرتي»، وهو رجل أعمال مهتم بالمشروعات الاجتماعية، ويمتلك مصنعاً للملابس حاصل على شهادة باتباع شروط التجارة العادلة في مونروفيا عاصمة ليبيريا.
وبعد وباء «إيبولا»، فكر ليبرتي في إطلاق حملة عبر الإنترنت لمساعدة العاملين في مصنعه، والأسر المحلية في الوقت نفسه. وأطلق حملة بعنوان «اشتر واحداً وقدم واحداً» عبر موقع «كيكستارتر» للتمويل الجماعي. ومُقابل كل قميص يشتريه المُشارك، يتبرع مصنع «ليبرتي آند جاستس» بزيٍ مدرسيّ لعائلة. وأشار ليبرتي إلى دور الإعلام الرقمي في تنظيم مثل هذه الحملة، فقال: «قبل 15 عاماً كان عليك العمل عبر موقعك الخاص، لذا يلعب التمويل الجماعي دوراً أساسياً». ويُدرك ليبرتي وفريقه أهمية تقديم حملة مميزة، وقال: «إنه التحدي التسويقي نفسه الذي تخوضه أي شركة؛ كيف تجذب الناس للانتباه إلى مشروعك في ظل وجود العديدين حولك، إذ يتوجب عليك أن تُوفر لهم سبباً جيداً حقاً للتوقف ثلاث دقائق، ومشاهدة مقطع الفيديو الخاص بك، إضافة إلى توفير بعض الطرق السهلة للتفاعل».